كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

عَنِ الصَّوَابِ، ثُمَّ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ، وَهُوَ خِلَافُ المحكم، والمحكم (¬1) الواضح المعنى هُوَ (¬2) أُمُّ الْكِتَابِ وَمُعْظَمُهُ. وَمُتَشَابِهُهُ عَلَى هَذَا قَلِيلٌ، فَتَرَكُوا اتِّبَاعَ الْمُعْظَمِ إِلَى اتِّبَاعِ الْأَقَلِّ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُعْطِي مَفْهُومًا وَاضِحًا، ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَطَلَبًا لِمَعْنَاهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا الله، أو يعلمه الله ويعلمه (¬3) الراسخون في العلم (¬4)، وليس ذلك (¬5) إِلَّا بِرَدِّهِ إِلَى الْمُحْكَمِ، وَلَمْ يَفْعَلِ الْمُبْتَدِعَةُ ذَلِكَ.
فَانْظُرُوا كَيْفَ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ أَوَّلًا فِي مطالب (¬6) الشَّرْعِ، بِشَهَادَةِ اللَّهِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ} (¬7) الْآيَةَ. فَنَسَبَ إِلَيْهِمُ التَّفْرِيقَ، وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ مِنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَيْهِمْ، وَلَا أتى به في معرض الذَّمِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (¬8)، فَجَعَلَ طَرِيقَ الْحَقِّ وَاضِحًا مُسْتَقِيمًا، وَنَهَى عَنِ الْبُنَيَّاتِ (¬9). وَالْوَاضِحُ مِنَ الطُّرُقِ وَالْبُنَيَّاتُ (¬10)، كُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْعَوَائِدِ الْجَارِيَةِ، فَإِذَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا بطريق
¬_________
(¬1) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(¬2) في (خ) و (ط): "الذي هو".
(¬3) ساقطة من (خ) و (ط).
(¬4) يشير المؤلف إلى الاختلاف في الوقف في آية آل عمران المذكورة، والجمهور على أن الوقف على لفظ الجلالة، وروى عن مجاهد وطائفة أن الوقف على قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}. وقد وفق شيخ الإسلام ابن تيمية بين القولين ببيان معنى التأويل، فذكر من معانيه التفسير والبيان، فعلى هذا لا إشكال في الوصل. ومن معانيه الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كقوله تعالى: {وَقَال ياأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ}، فعلى هذا يكون الوقف على لفظ الجلالة، لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمها على الجلية إلا الله عز وجل.
انظر: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية (ص89 وما بعدها). وذكر هذه الأقوال ابن كثير في تفسيره عند الآية (1/ 520 ـ 521).
(¬5) ساقطة من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).
(¬6) في (خ) و (ط): "مطالبة".
(¬7) سورة الأنعام: آية (159).
(¬8) سورة الأنعام: آية (153).
(¬9) بنيات الطريق هي الطرق الصغار تتشعب من الجادة، وهي الترهات.
انظر: الصحاح (6/ 2287).
(¬10) في جميع النسخ "البينات" عدا (غ) و (ر).

الصفحة 248