كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الْحَقِّ مَعَ الْبُنَيَّاتِ فِي الشَّرْعِ فَوَاضِحٌ (¬1) أَيْضًا. فَمَنْ تَرَكَ الْوَاضِحَ وَاتَّبَعَ غَيْرَهُ (¬2) فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ لَا لِلشَّرْعِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (¬3)، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَجِيءِ الْبَيَانِ (¬4) الشَّافِي، وَأَنَّ التَّفَرُّقَ إِنَّمَا حَصَلَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَفَرِّقِينَ لَا مِنْ (¬5) جِهَةِ الدَّلِيلِ. (فَهُوَ إذًا) (¬6) مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى بِعَيْنِهِ.
وَالْأَدِلَّةُ عَلَى هَذَا (كَثِيرَةٌ، تُشِيرُ) (¬7) أَوْ تُصَرِّحُ بِأَنَّ كُلَّ (¬8) مُبْتَدِعٍ إِنَّمَا يَتَّبِعُ هَوَاهُ، وَإِذَا اتَّبَعَ هَوَاهُ كَانَ مَذْمُومًا وَآثِمًا. وَالْأَدِلَّةُ عَلَيْهِ أَيْضًا (¬9) كَثِيرَةٌ، كَقَوْلِهِ: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} (¬10)، وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (¬11)، وَقَوْلِهِ: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} (¬12) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِذًا كُلُّ مُبْتَدِعٍ مَذْمُومٌ آثم (¬13).
والثالث: أن عامة المبتدعة قائلة (¬14) بالتحسين والتقبيح (¬15)، فَهُوَ عُمْدَتُهُمُ الْأُولَى، وَقَاعِدَتُهُمُ الَّتِي يَبْنُونَ عَلَيْهَا الشَّرْعَ، فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي نِحَلِهِمْ، بِحَيْثُ لَا يَتَّهِمُونَ الْعَقْلَ، وَقَدْ يَتَّهِمُونَ الْأَدِلَّةَ إِذَا (¬16) لَمْ تُوَافِقْهُمْ فِي الظَّاهِرِ (¬17)، حَتَّى يَرُدُّوا كَثِيرًا مِنَ الأدلة الشرعية (بسببه، ولا يرد قضية من قضايا العقل بحسب معارضة الدليل الشرعي) (¬18).
¬_________
(¬1) في (ت) و (غ) و (ر): "واضح".
(¬2) بياض في (ت).
(¬3) سورة آل عمران: آية (105).
(¬4) في (خ): "البينات".
(¬5) بياض في (ت).
(¬6) ما بين المعكوفين مطموس في (ت).
(¬7) ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(¬8) بياض في (ت).
(¬9) في (ت): "أيضاً عليه".
(¬10) سورة القصص: آية (50).
(¬11) سورة ص: آية (26).
(¬12) سورة الكهف: آية (28).
(¬13) في (خ): "مذموم وآثم".
(¬14) في (ر): "مائلة".
(¬15) تقدم التعليق على هذه المسألة (ص213).
(¬16) في (ط): "إذ".
(¬17) في (ت): "الظر".
(¬18) ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ) و (ر).

الصفحة 249