كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)
الْمُتَشَابِهَاتِ، لِمُوَافَقَاتِ الْعَادَاتِ، أَوْلَى مِنِ اتِّبَاعِ الْوَاضِحَاتِ، وَإِنْ خَالَفَتِ السَّلَفَ الْأَوَّلَ.
وَرُبَّمَا أَلَمُّوا ـ فِي تَقْبِيحِ مَا وَجَّهْتُ إِلَيْهِ وِجْهَتِي ـ بِمَا تَشْمَئِزُّ منه القلوب، أو صرحوا (¬1) بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الْفِرَقِ الْخَارِجَةِ عَنِ السُّنَّةِ شَهَادَةً سَتُكْتَبُ وَيُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَتَارَةً نُسِبْتُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَنْفَعُ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ـ كَمَا يُعْزَى إِلَى بَعْضِ النَّاسِ (¬2) ـ بِسَبَبِ أَنِّي لَمْ أَلْتَزِمِ الدُّعَاءَ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الْإِمَامَةِ، وَسَيَأْتِي مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلسُّنَّةِ وَلِلسَّلَفِ الصَّالِحِ وَالْعُلَمَاءِ (¬3).
وَتَارَةً نُسِبْتُ إِلَى الرَّفْضِ (¬4) وَبُغْضِ الصَّحَابَةِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ، بِسَبَبِ أَنِّي لَمْ أَلْتَزِمْ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْهُمْ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى الْخُصُوصِ، إِذْ لَمْ (¬5) يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ (¬6) السَّلَفِ فِي خُطَبِهِمْ، وَلَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ من العلماء المعتبرين
¬_________
(¬1) في (خ) و (ط): "خرجوا".
(¬2) الذي نسب ذلك إلى الإمام الشاطبي هو شيخه أبو سعيد بن لب. انظر: المعيار المعرب (6/ 369 ـ 370).
(¬3) سيتناول المؤلف هذه المسألة في الباب الخامس، ويبين أنها بدعة، ويرد حجة من قال بها. انظر: الاعتصام المطبوع (1/ 349 ـ 368، 2/ 3 ـ 6).
(¬4) الروافض هم الشيعة، من الإمامية الاثنى عشرية والإسماعيلية، وكلّهم يعتقد أن علياً رضي الله عنه أولى بالإمامة بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غيره، وأنه استحق ذلك بالوصية والتعيين مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد عدّوا الأئمة بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثني عشر مبتدئين بعليّ ثم الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم وهكذا، ثم افترقوا بعد جعفر الصادق فصارت منهم إمامية، وإسماعيلية، ومن عقائدهم المتفق عليها القول بالتولّي والتبرّي قولاً وفعلاً وعقداً إلاّ في حال التقية، وبين عقائدهم من الخلاف ما لا يحصر، وسبب تسميتهم بالروافض رفضهم لنصرة زيد بن علي عند خروجه لما علموا منه موالاة أبي بكر وعمر، فقال: رفضتموني، فسموا رافضة.
انظر: الملل والنحل للشهرستاني (ص146 ـ 155)، مقالات الإسلاميين (ص65)، دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين لأحمد الجلي (ص179).
(¬5) في (ر): "ولم يكن".
(¬6) في (ط): "شأن من السلف".