كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الِاسْتِفْهَامِ. فَأَيَّ الْمَعْنَيَيْنِ قَصَدْتَ بِهَا؟ وَلِمَ سَأَلْتَ بِحَرْفٍ مُحْتَمِلٍ؟ وَلَمْ تَسْأَلْ بِحَرْفٍ مُصَرِّحٍ بِمَعْنًى واحد؟ هل وقع ذلك منك (¬1) بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا قَصْدِ حِكْمَةٍ؟ أَمْ بِقَصْدِ حِكْمَةٍ؟ فَبَيِّنْهَا لَنَا.
فَمَا هُوَ إِلَّا أَنِ افْتَتَحْتُ هَذَا الْكَلَامَ، وَانْبَسَطْتُ فِيهِ، وَهُوَ يَتَغَيَّرُ، حَتَّى اصْفَرَّ آخِرًا مِنَ الْوَجَلِ، كَمَا اسْوَدَّ أَوَّلًا مِنَ الْحِقْدِ، وَرَجَعَ أَحَدُ أَصْحَابِهِ الَّذِي كَانَ عَنْ (¬2) يَمِينِهِ إِلَى آخَرَ كَانَ بِجَانِبِهِ، وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الصَّبِيُّ إِلَّا بَحْرٌ زَاخِرٌ مِنَ الْعِلْمِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطُّ، وهم ما (¬3) رأوا أحداً (¬4) بِهِ رَمَقٌ (إِلَّا أَهْلَكُوهُ) (¬5)، لِأَنَّ الدَّوْلَةَ لَهُمْ، وَلَوْلَا مَكَانُنَا مِنْ رِفْعَةِ دَوْلَةِ (¬6) مَلِكِ الشَّامِ، وأن (¬7) والي عكا (¬8) كان يحظينا (¬9)، مَا تَخَلَّصْتُ مِنْهُمْ فِي الْعَادَةِ أَبَدًا.
وَحِينَ سَمِعْتُ تِلْكَ الْكَلِمَةَ مِنْ إِعْظَامِي قُلْتُ: هَذَا مَجْلِسٌ عَظِيمٌ، وَكَلَامٌ طَوِيلٌ، يَفْتَقِرُ إِلَى تَفْصِيلٍ، وَلَكِنْ نَتَوَاعَدُ (¬10) إِلَى يَوْمٍ آخَرَ، وَقُمْتُ وَخَرَجْتُ فَقَامُوا كُلُّهُمْ مَعِي، وَقَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى قَلِيلًا، فَقُلْتُ: لَا، وَأَسْرَعْتُ حَافِيًا وَخَرَجْتُ عَلَى الْبَابِ أَعْدُو (¬11) حَتَّى أَشْرَفْتُ عَلَى قَارِعَةِ الطريق وبقيت هنالك (¬12) مُبَشِّرًا نَفْسِي بِالْحَيَاةِ، حَتَّى خَرَجُوا (بَعْدِي وَأَخْرَجُوا) (¬13) لي لا لكي (¬14)،
¬_________
(¬1) زيادة في (غ).
(¬2) ساقطة من (م)، وكتبت في (ت) فوق السطر.
(¬3) ساقطة من (م)، وكتبت في (ت) فوق السطر.
(¬4) في (ط): "واحداً".
(¬5) ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (ت) و (غ)، وكتب في هامش (ت): "عله به رمق إلا هلكوه أو قتلوه".
(¬6) في (م) و (ت): "الدولة".
(¬7) ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(¬8) في (خ) و (ت): "عكة".
(¬9) قال في الصحاح: "ورجل حظي، إذا كان ذا حظوة ومنزلة، وقد حظي عند الأمير واحتظى به بمعنى". الصحاح (6/ 2316).
(¬10) في (م) و (ر): "يتوعد".
(¬11) (م): "أغدو" وفي (خ): "أعدوا".
(¬12) في (ط): "هناك".
(¬13) ما بين المعكوفين ساقط من (خ).
(¬14) في (خ) و (ط): "لا يكي"، ويظهر أن المراد به الحذاء.

الصفحة 269