كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

كَانَ هُنَاكَ (¬1) مُنْتَصِبُونَ، فَتَرَكَهُمْ هَذَا الْمُقَلِّدُ، وَقَلَّدَ غَيْرَهُمْ فَهُوَ آثِمٌ، إِذْ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى مَنْ أُمِرَ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، بَلْ تَرَكَهُ وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِأَخْسَرِ (¬2) الصَّفْقَتَيْنِ، فَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ، إِذْ قلد دِينِهِ (¬3) مَنْ لَيْسَ بِعَارِفٍ بِالدِّينِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (¬4)، فَعَمِلَ بِالْبِدْعَةِ (وَهُوَ يَظُنُّ) (¬5) أَنَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ (¬6) الْمُسْتَقِيمِ.
وَهَذَا (¬7) حَالُ مَنْ بُعِثَ فِيهِمْ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ) (¬8) عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُمْ تركوا دينه (¬9) الْحَقَّ، وَرَجَعُوا إِلَى بَاطِلِ (آبَائِهِمْ، وَلَمْ يَنْظُرُوا) (¬10) نظر المستبصر حتى يُفَرِّقُوا (¬11) بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ، وَغَطَّى الْهَوَى عَلَى عُقُولِهِمْ دُونَ (¬12) أَنْ يُبْصِرُوا الطَّرِيقَ، فَكَذَلِكَ أَهْلُ هَذَا النوع.
وقل ما تَجِدُ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ إِلَّا وَهُوَ يُوَالِي فِيمَا ارْتَكَبَ وَيُعَادِي بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ.
خَرَّجَ الْبَغْوِيُّ (في معجمه) (¬13) عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ الْكِنَانِيِّ (¬14) أَنَّ رَجُلًا وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَأَخَذَ بِجَبْهَتِهِ فَنَبَتَتْ شَعْرَةٌ بِجَبْهَتِهِ (¬15) كَأَنَّهَا هُلْبَةُ (¬16) فَرَسٍ، قَالَ فَشَبَّ الْغُلَامُ، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ الْخَوَارِجِ أجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته، فأخذه
¬_________
(¬1) في (م) و (غ) و (ر): "هنالك".
(¬2) في (م) و (غ) و (ر): "بأخس".
(¬3) في (خ) و (ط): "في دينه".
(¬4) في (ت): "الظر".
(¬5) ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(¬6) في (م): "الطريق".
(¬7) في (غ) و (ر): "وهذه".
(¬8) ما بين المعكوفين ساقط من (ت).
(¬9) في (خ) و (ط): "دينهم".
(¬10) ما بين المعكوفين بياض في (ت).
(¬11) في (ط): "حتى لم يفرقوا".
(¬12) بياض في (ت).
(¬13) ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(¬14) وقع جزء من الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(¬15) في (غ): "في جبهته".
(¬16) في (خ) و (ت) و (ط): "سلفة"، وفي (م): "هلبة"، وفي هامشها الهلب بالضم الشعر كله أو ما غلظ منه. وقال في النهاية عن هلبات الفرس: "أي شعرات، أو خصلات من الشعر، واحدتها هلبة، والهلب الشعر. وقيل هو ما غلظ من شعر الذنب وغيره". النهاية في غريب الحديث (5/ 269).

الصفحة 276