كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

أَبُوهُ فَقَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ (¬1)، قال فدخلنا عليه فوعظناه وَقُلْنَا لَهُ: أَلَمْ تَرَ بَرَكَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَتْ؟ قَالَ: فَلَمْ نَزَلْ (¬2) بِهِ (¬3) حَتَّى رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِمْ، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّعْرَةَ فِي جَبْهَتِهِ إِذْ تاب (¬4).
وإن لم يكن هناك منتصبون إلا (¬5) هَذَا الْمُقَلِّدِ الْخَامِلِ بَيْنَ النَّاسِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ نَصَّبَ نَفْسَهُ مَنْصِبَ الْمُسْتَحِقِّينَ، فَفِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: إِنَّهُ آثِمٌ. وَنَظِيرُهُ مَسْأَلَةُ أَهْلِ الْفَتَرَاتِ (¬6)، الْعَامِلِينَ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ، وَاسْتِقَامَةً (¬7) لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِمْ، مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ يَقُولُونَ فِي حُكْمِهِمْ: إِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ غابت
¬_________
(¬1) في (ط): "يلحق بهم أحد".
(¬2) في (م) و (ت) و (غ): "يزل".
(¬3) ساقطة من (م) و (ت) و (غ).
(¬4) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 456)، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، ضعيف.
انظر: تقريب التهذيب لابن حجر (4734)، والكاشف للذهبي (3975).
(¬5) في جميع النسخ "إلى"، عدا (غ) و (ر).
(¬6) وهم الذين كانوا في الأزمنة التي فيها انقطاع من الرسل، وقد اختلف العلماء في حكمهم، وأرجح الأقوال فيهم أن الله يمتحنهم يوم القيامة، وبذلك ورد الحديث، فعن الأسود بن سريع أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً، وأما الذي مات في الفترة، فيقول رب ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً". رواه أحمد (4/ 24)، والإمام البيهقي في الاعتقاد والهداية (ص111)، وصحح إسناده، ورواه ابن أبي عاصم في السنة عن أبي هريرة (1/ 176)، وعزاه الهيثمي إلى أحمد والبزار والطبراني، وقال عن لفظ أحمد والبزار: ورجاله رجال الصحيح. المجمع (7/ 219)، وصححه الشيخ الألباني.
انظر: ظلال الجنة (1/ 176)، والسلسلة الصحيحة برقم (1434).
وانظر المسألة في: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (8/ 401)، طريق الهجرتين لابن القيم (ص396)، أضواء البيان للشنقيطي (3/ 374).
(¬7) في (خ) و (ط) و (غ): "واستنامه".

الصفحة 277