كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

وَيُرَشِّحُ ذَلِكَ (¬1) أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} (¬2) يشعر بإطلاق اللفظ على من فعل (¬3) ذَلِكَ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ التَّفْرِيقُ، وَلَيْسَ إِلَّا الْمُخْتَرِعُ أَوْ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} (¬4)، وقوله تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} (¬5)، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ مُخْتَصٌّ بِمَنِ انْتَصَبَ مَنْصِبَ الْمُجْتَهِدِ (¬6) لَا بِغَيْرِهِمْ (¬7).
وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عالم اتخذ الناس رؤوساً (¬8) جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم" (¬9)، فأقاموا (¬10) أَنْفُسَهُمْ مَقَامَ الْمُسْتَنْبِطِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، الْمُقْتَدَى (¬11) بِهِ فِيهَا، بِخِلَافِ الْعَوَامِّ، فَإِنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَائِهِمْ، لِأَنَّهُ (¬12) فَرْضُهُمْ، فَلَيْسُوا بِمُتَّبِعِينَ لِلْمُتَشَابِهِ حَقِيقَةً، وَلَا هُمْ مُتَّبِعُونَ لِلْهَوَى. وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ مَا يُقَالُ لَهُمْ كَائِنًا مَا كَانَ، فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الْعَوَامِّ لَفْظُ "أَهْلِ الْأَهْوَاءِ" حَتَّى يخوضوا بأنظارهم فيها، ويحسنوا بها (¬13) وَيُقَبِّحُوا. وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ لِلَفْظِ "أَهْلِ الْأَهْوَاءِ" و"أهل البدع" مدلول واحد، وهو من (¬14) انتصب للابتداع ولترجيحه على غيره.
أما (¬15) أهل الغفلة عن ذلك، والسالكون سبيل (¬16) رُؤَسَائِهِمْ (¬17) بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ، فَلَا (¬18).
¬_________
(¬1) ساقطة من (م) و (ت).
(¬2) سورة الأنعام: آية (159).
(¬3) في (خ) و (ط): "جعل"، وهي غير واضحة في (ت).
(¬4) سورة آل عمران: آية (105).
(¬5) سورة آل عمران: آية (7).
(¬6) ساقطة من (غ).
(¬7) في (خ) و (ط): "لا بغير".
(¬8) في (خ) و (غ): "رؤساء"، وكلاهما روايتان في الحديث.
(¬9) تقدم تخريج الحديث (ص125).
(¬10) في (خ) و (ط): "لأنهم قاموا".
(¬11) في (خ): "المنتدا".
(¬12) في (ت): "لأن".
(¬13) في (خ) و (ط): "ويحسنوا بنظرهم".
(¬14) في (خ) و (ط): وهو أن من انتصب .. ".
(¬15) في (ط): "وأما".
(¬16) في (خ) و (ط): "سبل".
(¬17) في (غ) و (ر): وسائلهم.
(¬18) سوف يبين المؤلف فيما يأتي أن المقلدين لأئمة المبتدعة عندهم نوع استدلال يدخلهم في مسمى أهل الابتداع.

الصفحة 281