كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الْمُقَلِّدِ، وَإِنِ ادَّعَى النَّظَرَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ النَّاظِرَ لَا بُدَّ مِنِ اسْتِنَادِهِ إِلَى مُقَلَّدِهِ في بعض الأصول التي يبني عليها، والمقلد (¬1) قد انفرد بها دونه، فهو آخذ بحظ لَمْ (¬2) يَأْخُذْ فِيهِ الْآخَرُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُقَلِّدُ نَاظِرًا لِنَفْسِهِ، فَحِينَئِذٍ (¬3) لَا يَدَّعِي رُتْبَةَ التَّقْلِيدِ، فَصَارَ فِي دَرَجَةِ الْأَوَّلِ، وَزَادَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عمل بها. وهذا الثاني قد (¬4) عَمِلَ بِهَا، فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ إِثْمِهِ مَا عَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، فَوِزْرُهُ أَعْظَمُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
وَالثَّانِي دُونَهُ، لِأَنَّهُ إِنْ نَظَرَ وعاند (¬5) الحق، واحتج لرأيه، فليس له النظر (¬6) إلا فِي (¬7) أَدِلَّةٍ جُمْلِيَّةٍ لَا تَفْصِيلِيَّةٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ التَّفْصِيلِيَّةَ أَبْلَغُ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى عَيْنِ (¬8) الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْجُمْلِيَّةِ، فَتَكُونُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْوِزْرِ (¬9) بِمِقْدَارِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِدْلَالِ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ وُقُوعِهَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ (¬10) أَوْ غَيْرِهَا فَالْإِشَارَةُ إِلَيْهِ سَتَأْتِي عِنْدَ التَّكَلُّمِ عَلَى أَحْكَامِ الْبِدَعِ (¬11).
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ مِنْ جِهَةِ الإسرار (¬12) والإعلان، فظاهر أن المسر (¬13) لها (¬14) ضَرَرُهُ (¬15) مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، لَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ فُرِضَتِ الْبِدْعَةُ، مِنْ كَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَكْرُوهَةً (¬16)، هِيَ بَاقِيَةٌ على
¬_________
(¬1) في (خ) و (ت) و (ط): "أو المقلد".
(¬2) في جميع النسخ: "ما لم" عدا (ر) و (غ).
(¬3) في (ت) كتبت هكذا "فح"، وكذلك في (غ).
(¬4) في (خ) و (ط): "من".
(¬5) في (م): "وعناد".
(¬6) ساقطة من (خ) و (ط).
(¬7) ساقطة من (خ) و (ط).
(¬8) في (غ) و (ر): "غير".
(¬9) في (غ): "الوزن".
(¬10) هي الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
(¬11) وذلك في الباب السادس (2/ 38 ـ 49).
(¬12) في (غ) و (ر): "الإصرار".
(¬13) في (غ): "المصر".
(¬14) في (ط): "بها".
(¬15) في (غ) و (ر): "ضرورة".
(¬16) تناول المؤلف هذه الأحكام للبدعة في الباب السادس (2/ 36، 57 ـ 72).

الصفحة 287