كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ أُولَئِكَ الْفِرَقِ، فَلَهُ مِنَ الْإِثْمِ الْعَظِيمِ أَوْفَرُ حَظٍّ.
وَمِثَالُهُ قِصَّةُ الْخَوَارِجِ (¬1) الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، ويَدَعُون أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) (¬2) وَأَخْبَارُهُمْ شَهِيرَةٌ.
وَقَدْ لَا يَخْرُجُونَ هَذَا الْخُرُوجَ، بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى الدَّعْوَةِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ أَدْعَى إِلَى الْإِجَابَةِ، لِأَنَّ فِيهِ (¬3) نَوْعًا مِنَ الْإِكْرَاهِ وَالْإِخَافَةِ، فَلَا هُوَ مُجَرَّدُ دعوة، ولا هو شق للعصا (¬4) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَذَلِكَ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى دعوته (¬5) بِأُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْوُلَاةِ وَالسَّلَاطِينِ، فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ هُنَا أَقْوَى بِسَبَبِ (¬6) خَوْفِ الْوُلَاةِ فِي الْإِيقَاعِ بِالْآبِي سِجْنًا أَوْ ضَرْبًا أَوْ قَتْلًا، كَمَا اتفق لبشر المريسي (¬7) في زمان (¬8) الْمَأْمُونِ (¬9)، وَلِأَحْمَدَ بْنِ أَبِي (دُؤَادَ) (¬10) فِي خِلَافَةِ
¬_________
(¬1) تقدم التعريف بهم (ص11).
(¬2) تقدم تخريج الحديث (ص12).
(¬3) ساقطة من (غ).
(¬4) في (ت) و (ط): "العصا".
(¬5) في (خ) و (ط): "دعوة".
(¬6) في (غ) و (ر): "لسبب".
(¬7) هو بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، كان من الفقهاء، فلما نظر في الكلام غلب عليه، فانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره، وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة. توفي سنة 118هـ.
انظر: تاريخ بغداد (7/ 56) العبر (1/ 373)، سير أعلام النبلاء (10/ 199).
(¬8) في (خ) و (ط) و (غ): "زمن".
(¬9) هو أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد، الخليفة العباسي المشهور، ولد سنة 170هـ، وقرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم وبالغ، ومحاسنه كثيرة في الجملة، وكان يحب العلم، ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فتأثر بمذهب الاعتزال، واعتقده، وامتحن أهل السنة بسببه، فأخذه الله، وكان كثير الغزو. توفي سنة 218هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 272)، البداية والنهاية (10/ 287)، شذرات الذهب (2/ 39).
(¬10) في (م) و (خ) و (ت) و (غ): "داود" والصواب المثبت.
وهو أحمد بن أبي دؤاد الإيادي المعتزلي الجهمي، ولي قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، وكان موصوفاً بالجود والسخاء والأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد أصيب قبل موته بالفالج أربع سنين، ثم هلك سنة 240هـ.=

الصفحة 291