كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الْبِدْعَةِ بِالضَّلَالَةِ يُفِيدُ مَفْهُومًا (¬1)، وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ لَمْ تُفِدْ مَفْهُومًا.
وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَفْهُومِ عَلَى رَأْيِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ (¬2)، فَإِنَّ (¬3) الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى تَعْطِيلِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، كَمَا دَلَّ دَلِيلُ تَحْرِيمِ الرِّبَا قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى تَعْطِيلِ الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (¬4) (¬5)، وَلِأَنَّ الضَّلَالَةَ لَازِمَةٌ لِلْبِدْعَةِ (¬6) بِإِطْلَاقٍ، بِالْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا مَفْهُومَ أَيْضًا.
وَالْجَوَابُ (¬7) عَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي (¬8): أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا مِنْ قَبِيلِ الْبِدْعَةِ الْمُحْدَثَةِ. وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ قَدْ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَهِيَ مِنَ الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، وَإِنْ كَانَ فيها خلاف بينهم (¬9)، ولكن لا يعود (¬10) ذلك بقدح (¬11) على ما نحن فيه.
¬_________
(¬1) وهو مفهوم المخالفة، فإذا كانت البدعة المذمومة هي بدعة الضلالة، فالبدعة الحسنة ليست بمذمومة، وسيبين المؤلف بطلان هذا الاستدلال.
(¬2) والقول بمفهوم المخالفة هو رأي الجمهور بضوابطه، والأحناف لا يعدونه حجة.
انظر: المستصفى للغزالي (2/ 42)، والإحكام للآمدي (2/ 153)، وإرشاد الفحول للشوكاني (178)، أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 367)، أصول الفقه للشيخ أبو زهرة (ص148).
(¬3) في (م) و (غ): "لأن".
(¬4) سورة آل عمران: آية (130).
(¬5) مفهوم المخالفة المنفي عن الآية هو جواز أكل القليل من الربا إذا لم يكن أضعافاً مضاعفة، وهو مفهوم باطل لأن المراد بتقييد الربا هنا بالأضعاف المضاعفة هو التنفير مما كان يفعله أهل الجاهلية، من الزيادة على رأس المال، ومضاعفة هذه الزيادة سنة بعد أخرى. والذي دل على كون القيد للتنفير هو قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} سورة البقرة: آية (279).
انظر: أصول الفقه للدكتور وهبة الزحيلي (1/ 372 ـ 373)، أصول الفقه للشيخ أبو زهرة (ص151 ـ 152).
(¬6) في (م): "البدعة".
(¬7) ساقطة من (م)، وبياض في (غ).
(¬8) وهو احتجاجهم بأن الصحابة ومن بعدهم قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنة، كجمع القرآن.
(¬9) انظر هذه المسألة في الباب الثامن (2/ 111 ـ 112).
(¬10) في (خ) و (ط): "يعد".
(¬11) في (م) و (خ) و (ت): "قدح".

الصفحة 316