كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)
تَجِدُ عَالِمًا مَشْهُورًا، أَوْ فَاضِلًا مَذْكُورًا، إِلَّا وقد نبز (¬1) بِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِهَا، لِأَنَّ الْهَوَى قَدْ يُدَاخِلُ الْمُخَالِفَ، بَلْ سَبَبُ الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ الْجَهْلُ بِهَا، وَالْهَوَى الْمُتَّبَعُ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الْخِلَافِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى صَاحِبِ السُّنَّةِ أَنَّهُ غَيْرُ صَاحِبِهَا، وَرُجِعَ (¬2) بِالتَّشْنِيعِ عَلَيْهِ، وَالتَّقْبِيحِ لِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، حَتَّى يُنْسَبَ هَذِهِ الْمَنَاسِبَ.
وَقَدْ نُقِلَ عَنْ سَيِّدِ العُبَّاد بَعْدَ الصَّحَابَةِ أُويس الْقَرَنِيِّ (¬3) أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، والنهي عن المنكر لم يدع (¬4) لِلْمُؤْمِنِ صَدِيقًا، نَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ فَيَشْتُمُونَ أَعْرَاضَنَا، وَيَجِدُونَ على ذَلِكَ أَعْوَانًا مِنَ الْفَاسِقِينَ، حَتَّى وَاللَّهِ لَقَدْ رَمَوْنِي بِالْعَظَائِمِ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَدَعُ أَنْ أَقُومَ فِيهِمْ بِحَقِّهِ" (¬5).
فَمِنْ هَذَا الْبَابِ يَرْجِعُ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، لِأَنَّ الْمُؤَالِفَ فِيهِ ـ عَلَى وَصْفِهِ الْأَوَّلِ ـ قَلِيلٌ، فَصَارَ الْمُخَالِفُ هُوَ الكثير، فاندرست رسوم السنّة حين (¬6) مَدَّتِ الْبِدَعُ أَعْنَاقَهَا، فَأُشْكِلَ مَرْمَاهَا (¬7) عَلَى الْجُمْهُورِ، فظهر مصداق الحديث الصحيح.
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيَّ (¬8) مِنَ الْإِنْكَارِ (¬9) مَا وَقَعَ ـ مع ما هدى الله إليه وله
¬_________
(¬1) في (ط): "نبذ".
(¬2) في (خ) و (ت): "روجع".
(¬3) هو أويس بن عامر القرني، سيد التابعين، وكان زاهداً عابداً. بشر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم به، وأوصى به أصحابه، سأله عمر أن يدعو له، لورود الخبر في فضله، واستجابة دعوته، فاستغفر له، ذهب إلى الكوفة، فلما اشتهر أمره اختفى عن الناس. قيل: توفي في صفين، وكان مع علي رضي الله عنه. انظر طبقات ابن سعد (6/ 161) حلية الأولياء لأبي نعيم (2/ 79) وصفة الصفوة لابن الجوزي (3/ 43)، تقريب التهذيب (1/ 86).
(¬4) في (خ) "لم يتركا" وفي (ط): "لم يدعا"، والمثبت موافق لما ذكره ابن الجوزي.
(¬5) رواه ابن سعد في الطبقات عن أُويس رحمه الله بلفظ أطول (6/ 165)، وأشار إلى طرف منه أبو نعيم في الحلية (2/ 83)، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة بلفظ أطول من هذا (3/ 54)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف (8).
(¬6) في (خ) و (ط): "حتى".
(¬7) في (م): "مراماها".
(¬8) ساقطة من (ت)، واستدركت في هامشها.
(¬9) في (ر): "ولما وقع من الإنكار علي".