كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

فَالْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِ (¬1) تِلْكَ الْأَشْيَاءِ بِدَعًا، وَبَيْنَ (¬2) كَوْنِ الْأَدِلَّةِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا أَوْ نَدْبِهَا أَوْ إِبَاحَتِهَا، جَمْعٌ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ.
أَمَّا الْمَكْرُوهُ مِنْهَا وَالْمُحَرَّمُ (¬3) فَمُسَلَّمٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا بِدَعًا، لَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، إِذْ لَوْ دَلَّ الدليل على منع أمر ما (¬4)، أَوْ كَرَاهَتِهِ (¬5)، لَمْ يُثْبِتْ بِذَلِكَ (¬6) كَوْنَهُ بِدْعَةً، لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ (¬7) مَعْصِيَةً، كَالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهَا. فَلَا بِدْعَةَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ التَّقْسِيمُ أَلْبَتَّةَ، إِلَّا الْكَرَاهِيَةَ وَالتَّحْرِيمَ، حَسْبَمَا يُذْكَرُ في بابه (¬8) (إن شاء الله) (¬9).
فما ذكره الْقَرَافِيُّ (¬10) عَنِ الْأَصْحَابِ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ صَحِيحٌ، وَمَا قَسَّمَهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ.
ومن العجب حكايته (¬11) الِاتِّفَاقِ مَعَ (¬12) الْمُصَادَمَةِ بِالْخِلَافِ، وَمَعَ (¬13) مَعْرِفَتِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ فِي خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَكَأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّبَعَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ شَيْخَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ، فإن ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرٌ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ بِدَعًا، بِنَاءً ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ أَعْيَانُهَا تَحْتَ النُّصُوصِ الْمُعَيَّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تُلَائِمُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ، فَمِنْ هُنَالِكَ جعل القواعد هي الدالة على استحسانها، فتسميته (¬14) لها بلفظ البدع هو (¬15) مِنْ حَيْثُ فُقْدَانِ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ المعيّنة (¬16) واستحسانها من حيث دخولها تحت
¬_________
(¬1) ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(¬2) ساقطة من (غ) و (ر).
(¬3) في (غ) و (ر): "أو المحرم".
(¬4) زيادة في (م) و (غ).
(¬5) في (م): "كراهية"، وفي (ت): "كراهيته".
(¬6) في (خ) و (ط): "ذلك".
(¬7) في (غ) و (ر): "تكون".
(¬8) وهو الباب السادس من هذا الكتاب (2/ 36).
(¬9) ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (ط) و (ت) و (خ).
(¬10) تقدم قوله وترجمته (ص350).
(¬11) في (ط): "حكاية".
(¬12) في (غ) و (ر): "ثم".
(¬13) في (م) و (ت) و (غ): "مع" بدون الواو.
(¬14) في (خ) و (ط): "بتسميته"، والباء غير واضحة في (ت).
(¬15) في (خ) و (ط): "وهو".
(¬16) ساقطة من (م) و (خ) و (ت) و (ط).

الصفحة 328