كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

الحمد ـ لم أزل أتتبّع (¬1) الْبِدَعَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحذَّر مِنْهَا، وبيَّن (¬2) أَنَّهَا ضَلَالَةٌ، وَخُرُوجٌ عَنِ الْجَادَّةِ (¬3)، وَأَشَارَ الْعُلَمَاءُ إِلَى تَمْيِيزِهَا، وَالتَّعْرِيفِ بِجُمْلَةٍ مِنْهَا، لَعَلِّي أَجْتَنِبُهَا (¬4) فِيمَا اسْتَطَعْتُ، وَأَبْحَثُ عَنِ السُّنَنِ (¬5) الَّتِي كَادَتْ تُطْفِئُ نُورَهَا تِلْكَ الْمُحْدَثَاتُ، لَعَلِّي أَجْلُو بِالْعَمَلِ سَنَاهَا (¬6)، وأُعدّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَنْ أَحْيَاهَا؛ إِذْ مَا مِنْ بِدْعَةٍ تُحْدَثُ إِلَّا وَيَمُوتُ مِنَ السُّنَنِ مَا هُوَ فِي مُقَابَلَتِهَا، حَسْبَمَا جَاءَ عَنِ السلف في ذلك.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: "مَا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ مِنْ عَامٍ، إِلَّا أَحْدَثُوا فِيهِ بِدْعَةً، وَأَمَاتُوا فِيهِ سُنَّةً، حتى تحيا البدع (¬7)، وَتَمُوتَ السُّنَنُ" (¬8).
وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: "لَا يُحْدِثُ رَجُلٌ (¬9) بِدْعَةً إِلَّا تَرَكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا هو خيرٌ منها" (¬10).
وعن لقمان (عن) (¬11) أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ (¬12) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "مَا
¬_________
(¬1) في (م) و (ر): "أتبع".
(¬2) في (م): "وأبين".
(¬3) الجادة معظم الطريق، الجمع جواد. الصحاح للجوهري (2/ 452).
(¬4) في (م): "احتسبها".
(¬5) في (خ): "وأبحث عنها عن السنن".
(¬6) السنا مقصور: ضوء البرق. الصحاح (6/ 2383).
(¬7) في (ط): "البدعة".
(¬8) رواه عن ابن عباس الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب تغير البدع (ص45 ـ 46)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى "1/ 178، 350)، والإمام محمد بن نصر في السنة (ص32)، ورواه الإمام اللالكائي في أصول الاعتقاد (1/ 92). وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد إلى الطبراني في الكبير، وقال: رجاله موثقون (1/ 193)، وذكره الطرطوشي في الحوادث والبدع (ص117).
(¬9) في (ر): "الرجل".
(¬10) أخرجه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب تغير البدع، عن خلاس بن عمرو يرفعه (ص45)، وروى الإمام محمد بن نصر المروزي قريباً منه مرفوعاً في كتاب السنة، وضعف المحقق سنده (ص32).
(¬11) في جميع النسخ: "بن"، وهو خطأ، والصواب المثبت كما في مصادر الأثر.
(¬12) هو عائذ الله بن عبد الله الخولاني، ولد في حياة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة كأبي ذر وحذيفة وأبي الدرداء، تولّى القضاء بدمشق، وكان عالم الشام بعد أبي الدرداء. =

الصفحة 33