كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

ومنهم من كان يلتقط نوى التمر فيرضخها (¬1)، وَيَبِيعُهَا عَلَفًا لِلْإِبِلِ، وَيَتَقَوَّتُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَجْهًا يَكْتَسِبُ بِهِ لقوت ولا سكنى (¬2)، فَجَمَعَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُفَّةٍ كَانَتْ فِي مَسْجِدِهِ، وَهِيَ سَقِيفَةٌ كَانَتْ مِنْ جُمْلَتِهِ (¬3)، إِلَيْهَا يَأْوُونَ، وَفِيهَا (¬4) يَقْعُدُونَ، إِذْ لم يجدوا (منزلاً، كما لَمْ يَجِدُوا) (¬5) مَالًا وَلَا أَهْلًا، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُضُّ النَّاسَ عَلَى إِعَانَتِهِمْ (¬6) وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ وَصَفَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عَنْهُ إِذْ كَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَهُوَ أَعْرَفُ النَّاسِ بِهِمْ، قَالَ فِي الصَّحِيحِ: (وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ، لَا يَأْوُونَ عَلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ ـ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَا يَتَنَاوَلُ (¬7) مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْهَا، وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا) (¬8).
فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ، وَحَكَمَ لَهُمْ ـ كَمَا تَرَى ـ بِحُكْمِ الْأَضْيَافِ (¬9)، وَإِنَّمَا وَجَبَتِ الضِّيَافَةُ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ مَنْ نَزَلَ بِالْبَادِيَةِ لَا يَجِدُ مَنْزِلًا وَلَا طَعَامًا لِشِرَاءٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ (¬10) لِأَهْلِ الْوَبَرِ أَسْوَاقٌ يَنَالُ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، مِنْ طَعَامٍ يُشْتَرَى، وَلَا خَانَاتٌ يؤوى (¬11) إِلَيْهَا، فَصَارَ الضَّيْفُ مُضْطَرًّا، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ، فَوَجَبَ عَلَى أَهْلِ الْمَوْضِعِ ضِيَافَتُهُ (¬12) وَإِيوَاؤُهُ (¬13) حَتَّى يَرْتَحِلَ، فَإِنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ فذلك أحرى.
¬_________
(¬1) في (خ): "فيرضعها"، وفي (م) و (ت) و (ط): "فيرضها"، قال في القاموس: "والمرضاخ: حجر يرضخ به النوى" (ص251).
(¬2) في (خ) و (ط): "لسكنى".
(¬3) في (ت): "حملته".
(¬4) في (غ): "فيها" بدون الواو.
(¬5) ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ت) و (ط).
(¬6) في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "إغاثتهم".
(¬7) في (غ) و (ر): "ولم يتناول".
(¬8) رواه الإمام البخاري في كتاب الرقاق من صحيحه، باب كيف كان عيش النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، عن أبي هريرة رضي الله عنه (11/ 281 فتح).
(¬9) في (غ) و (ر): "الأوضاف".
(¬10) ساقطة من (ت).
(¬11) في (خ) و (ت) و (ط): "يأوي".
(¬12) في (غ) و (ر): "إغاثته"، وهي ساقطة من (م) و (ت).
(¬13) ساقطة من (م) و (ت) و (غ) و (ر).

الصفحة 345