كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

وَإِنَّمَا مَحْصُولُ هَؤُلَاءِ (¬1) أَنَّهُمْ خَالَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَالَفُوا السَّلَفَ الصَّالِحَ، وَخَالَفُوا شُيُوخَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي انْتَسَبُوا إِلَيْهَا، وَلَا تَوْفِيقَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَأَمَّا الْمَدَارِسُ: فَلَا (¬2) يَتَعَلَّقُ (¬3) بِهَا أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ يُقَالُ فِي (¬4) مِثْلِهِ (¬5) بِدْعَةٌ إِلَّا عَلَى فَرْضِ أَنْ يَكُونَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْرَأَ الْعِلْمُ إِلَّا بِالْمَسَاجِدِ (¬6)، وَهَذَا (¬7) لَا يُوجَدُ، بَلِ الْعِلْمُ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يُبَثُّ بِكُلِّ (¬8) مَكَانٍ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَنْزِلٍ، أَوْ سَفَرٍ، أَوْ حَضَرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى فِي الْأَسْوَاقِ.
فَإِذَا أَعَدَّ أَحَدٌ من الناس (لقراءة العلم) (¬9) مَدْرَسَةً يُعِينُ (¬10) بِإِعْدَادِهَا الطَّلَبَةَ، فَلَا يَزِيدُ ذَلِكَ على إعداده (¬11) له (¬12) مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِهِ، أَوْ حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَيْنَ مَدْخَلُ الْبِدْعَةِ هُاهُنَا؟
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْبِدْعَةَ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ الموضع (¬13) دون غيره، فالتخصيص (¬14) هَاهُنَا لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ تَعْبُدِيٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ (¬15) تَعْيِينٌ بِالْحَبْسِ، كَمَا تَتَعَيَّنُ سَائِرُ الْأَمْوَالِ (¬16) الْمُحْبَسَةِ، وَتَخْصِيصُهَا لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ، بِخِلَافِ الربط، فإنها خصت تشبيهاً بالصُّفَّة، فهما (¬17) لِلتَّعَبُّدِ، فَصَارَتْ تَعَبُّدِيَّةً بِالْقَصْدِ وَالْعُرْفِ، حَتَّى إِنَّ سَاكِنِيهَا مُبَايِنُونَ لِغَيْرِهِمْ فِي النِّحْلَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالزِّيِّ والاعتقاد.
¬_________
=انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 367)، المنتظم لابن الجوزي (6/ 347)، حلية الأولياء (10/ 366)، تاريخ بغداد (14/ 389).
(¬1) يريد الصوفية المتأخرين.
(¬2) في (خ) و (ط): "فلم".
(¬3) في (ط): "يتلق".
(¬5) (¬4) بعض أجزاء الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(¬7) (¬6) بعض أجزاء الكلمة في البياض في نسخة (ت).
(¬8) في (ر): "في كل".
(¬9) ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).
(¬10) في (خ) و (ط): "يعني".
(¬11) في (ط): "إعدادها".
(¬12) في (ر): "لها".
(¬13) بعد هذه اللفظة أعاد ناسخ (ت) بعض ما كان كتبه.
(¬14) كذا في (ر)، وفي بقية النسخ: "والتخصيص".
(¬15) ساقطة من (ت).
(¬16) في (خ) و (ط): "الأمور"، وفي (ت): "الأموال".
(¬17) في (ط): "بهما".

الصفحة 350