كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

وَكَذَلِكَ مَا ذُكِرَ مِنْ بِنَاءِ الْقَنَاطِرِ (¬1): فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى إِصْلَاحِ الطُّرُقِ، وَإِزَالَةِ الْمَشَقَّةِ عَنْ سَالِكِيهَا، وَلَهُ أَصْلٌ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَهُوَ إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يعد في البدع بحال.
وقوله: (وكذلك (¬2) كل (¬3) إِحْسَانٍ لَمْ (¬4) يُعْهَدْ (¬5) فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ)، فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَلَا يَخْلُو (¬6) الْإِحْسَانُ الْمَفْرُوضُ (¬7) أَنْ يُفْهَمَ من الشريعة أنه مقيد بقيد تعبدي أو لا، فَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالتَّعَبُّدِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ فِي أَصْلِ التَّشْرِيعِ بِأَمْرٍ (¬8) تَعَبُّدِيٍّ، فَلَا يُقَالُ (¬9): إِنَّهُ غَيْرُ بِدْعَةٍ (¬10) عَلَى أَيِّ وَجْهٍ وَقَعَ إِلَّا عَلَى أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يخرم (¬11) أَصْلًا شَرْعِيًّا، مِثْلَ الْإِحْسَانِ الْمُتْبَعِ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى، وَالصَّدَقَةِ مِنَ الْمِدْيَانِ الْمَضْرُوبِ عَلَى يَدِهِ، وَمَا أشبه ذلك، ويكون (¬12) إِذْ ذَاكَ مَعْصِيَةً.
وَالثَّانِي: أَنْ يَلْتَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَعَدَّى، بِحَيْثُ يَفْهَمُ مِنْهُ الْجَاهِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَحِينَئِذٍ (¬13) يَكُونُ الِالْتِزَامُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ (¬14) بِدْعَةً مَذْمُومَةً وَضَلَالَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى (¬15)، فلا تكون إذا مستحبة.
¬_________
(¬1) في (غ): "القناطير".
(¬2) ساقطة من (خ) و (ط).
(¬3) ساقطة من (م) و (ت).
(¬4) ساقطة من (م).
(¬5) في (م): "العهد".
(¬6) في (خ) و (ر): "تحيلو".
(¬7) أي الذي نفترض وقوعه، لأن العز بن عبد السلام أطلق العبارة.
(¬8) في (ط): "بأمري".
(¬9) في (م) و (ر): "مقال".
(¬10) لعلها: "إنه بدعة"؛ إذ تستقيم العبارة بحذف كلمة: "غير".
(¬11) في (خ) و (ط): "يخرج".
(¬12) في (م) و (ت): "يكون" بدون الواو، وفي (غ) و (ر): "فيكون".
(¬13) في (ت) و (غ): "فح" وهي كالاختصار لِلَّفظة، وقد تقدم مثل ذلك في هذه النسخة.
(¬14) في (خ) و (ط): "المشار إليه البدعة بل بدعة مذمومة .. "، وناسخ (خ) إذا أخطأ في بعض الألفاظ أضرب عنها بـ (بل) وأعاد كتابة اللفظ الصحيح.
(¬15) انظر: الباب الخامس (1/ 293).

الصفحة 351