كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

وكذلك مَسْأَلَةُ الْخَوَاصِّ، فَإِنَّ التَّوَقِّيَ مِنْ مَظَانِّ الْمُهْلِكَاتِ (¬1) مَشْرُوعٌ، فَخِلَافُهُ يَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ مُعْتَادٌ فِي أَهْلِ هَذِهِ (¬2) الطَّرِيقَةِ.
وَكَذَلِكَ كَلَامُ الشَّجَرَةِ لِلشِّبْلِيِّ (¬3) مِنْ جُمْلَةِ الْخَوَارِقِ، وَبِنَاءَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْهُودٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَبْنُونَ طَرِيقَهُمْ عَلَى اجْتِنَابِ الرُّخَصِ جُمْلَةً، حَتَّى إِنَّ شيخهم المصنف (¬4) الَّذِي مَهَّدَ لَهُمُ الطَّرِيقَةَ أَبَا الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيَّ (¬5)، قَالَ فِي بَابِ وَصِيَّةِ الْمُرِيدِينَ مِنْ رِسَالَتِهِ: "إن اختلفت (¬6) عَلَى الْمُرِيدِ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ يَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ، وَيَقْصِدُ أَبَدًا الْخُرُوجَ عَنِ (¬7) الْخِلَافِ، فَإِنَّ الرُّخَصَ فِي الشَّرِيعَةِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ وَالْأَشْغَالِ، وَهَؤُلَاءِ الطَّائِفَةُ ـ يَعْنِي الصُّوفِيَّةَ ـ لَيْسَ لَهُمْ شُغْلٌ سِوَى الْقِيَامِ بِحَقِّهِ سُبْحَانَهُ، وَلِهَذَا قِيلَ: إِذَا انْحَطَّ الْفَقِيرُ عَنْ (¬8) دَرَجَةِ الْحَقِيقَةِ إِلَى رُخْصَةِ الشَّرِيعَةِ، فَقَدْ فَسَخَ عَقْدَهُ (مَعَ اللَّهِ) (¬9)، وَنَقَضَ عَهْدَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ" (¬10).
فَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمُ التَّرَخُّصُ فِي مَوَاطِنِ الترخص المشروع، وهو خلاف (¬11) مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
فَالْتِزَامُ الْعَزَائِمِ مَعَ وُجُودِ مَظَانِّ (¬12) الرُّخَصِ ـ الَّتِي قال فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ (¬13) يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ" (¬14) ـ فِيهِ مَا فِيهِ.
¬_________
(¬1) في (ر): "الهلكات".
(¬2) في (م) و (خ) و (ط): "هاته".
(¬3) في (خ) و (ت): "للشبيلي".
(¬4) ساقطة من (خ) و (ط).
(¬5) تقدمت ترجمته (ص160).
(¬6) في (ط): "اختلف".
(¬7) في (م) و (ت) و (ر): "على".
(¬8) في (خ): "على".
(¬9) ما بين المعكوفين ساقط من (خ) و (ط)، وفي (ت): سقط لفظ الجلالة فقط.
(¬10) انظر: قوله في الرسالة القشيرية (ص213).
(¬11) ساقطة من (خ) و (ط).
(¬12) في (ط): "مضار".
(¬13) لفظ الجلالة أثبت في هامش (م)، وكتب في (ت) فوق السطر.
(¬14) رواه الإمام الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عباس رضي الله عنه برقم (11880) =

الصفحة 362