كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

ومن ذَلِكَ أَخْذُهُمْ عَلَى الْمُرِيدِ أَنْ يُقَلِّلَ مِنْ غِذَائِهِ، لَكِنْ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ (¬1)، لَا مَرَّةً (¬2) وَاحِدَةً (¬3)، وَأَنْ يُدِيمَ الْجُوعَ وَالصِّيَامَ، وَأَنْ يترك التزوج (¬4) ما دام في سلوكه، ويعد (¬5) ذلك (¬6) كُلُّهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ التَّشْرِيعِ، بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالتَّبَتُّلِ الَّذِي رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ، حَتَّى قَالَ: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (¬7).
وَإِذَا تؤمل (¬8) مَا ذَكَرُوهُ فِي شَأْنِ التَّدْرِيجِ فِي تَرْكِ الغذاء (¬9) وُجد (¬10) غَيْرَ مَعْهُودٍ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، وَالْقَرْنِ الْأَفْضَلِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءُ أَلْزَمُوهَا الْمُرِيدَ حَالَةَ السَّمَاعِ، مِنْ طَرْحِ الْخَرْقِ، وَأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمُرِيدِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ خَرَجَ عَنْهُ (¬11)، أَلْبَتَّةَ، إِلَّا أَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ، فَلْيَأْخُذْهُ (¬12) عَلَى نِيَّةِ الْعَارِيَّةِ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوحِشَ قَلْبَ الشَّيْخِ (¬13)، إِلَى أَشْيَاءَ اخْتَرَعُوهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، وذلك من نتائج مجالس (¬14) السماع الذي اعتادوه (¬15).
وَالسَّمَاعُ فِي طَرِيقَةِ التَّصَوُّفِ لَيْسَ مِنْهَا، لَا بِالْأَصْلِ وَلَا بِالتَّبَعِ، وَلَا اسْتَعْمَلَهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ مِمَّنْ يُشَارُ إِلَيْهِ حَاذِيًا (¬16) فِي طَرِيقِ الخير، وإنما
¬_________
(¬1) في (ط): "من" بدون الواو.
(¬2) انظر: هذا الكلام في باب الوصية للمريدين من رسالة القشيري (ص214).
(¬3) في (غ) و (ر): "لا بمرة".
(¬4) ساقطة من (غ).
(¬5) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "التزويج".
(¬6) في (م) و (غ) و (ر): "بعد".
(¬7) في (م) و (غ) و (ر): "وذلك"، وفي (ت): "ذاك".
(¬8) تقدم تخريجه الحديث (ص58).
(¬9) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "تأمل".
(¬10) في (خ): "العقد بل الغذاء" وتقدم نظيره.
(¬11) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "وجده".
(¬12) في (ر): "منه".
(¬13) في (م): "فليأخذ".
(¬14) انظر: هذا الكلام في باب الوصية للمريدين من رسالة القشيري (ص217).
(¬15) في (غ): "مسائل".
(¬16) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "اعتمدوه".
(¬17) في (م) و (ت) و (غ): "حادياً".

الصفحة 365