كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

مالك بن أنس (رضي الله عنه) (¬1): أن بلدنا كثير البدع، وأنه ألف لهم (¬2) كَلَامًا (¬3) فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ يَقُولُ لَهُ: "إِنْ ظَنَنْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ خِفْتُ أَنْ تَزِلَّ فَتَهْلِكَ، لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَنْ كَانَ ضَابِطًا عَارِفًا بِمَا يَقُولُ لَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ (¬4) أَنْ يُعَرِّجُوا عَلَيْهِ، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ فَيُخْطِئَ فَيَمْضُوا عَلَى خَطَئِهِ أَوْ يَظْفَرُوا مِنْهُ بِشَيْءٍ، فَيَطْغَوْا وَيَزْدَادُوا تَمَادِيًا عَلَى ذَلِكَ" (¬5)، انْتَهَى (¬6).
وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْضِي لِمِثْلِي بِالْإِحْجَامِ دون الإقدام، وشياع هذا المنكر (¬7)، وَفُشُوُّ الْعَمَلِ بِهِ، وَتَظَاهَرُ أَصْحَابِهِ يَقْضِي لِمَنْ لَهُ (بِهَذَا (¬8) الْمَقَامِ مُنَّة) (¬9) بِالْإِقْدَامِ دُونَ الْإِحْجَامِ؛ لِأَنَّ الْبِدَعَ قَدْ عمَّت، وَجَرَتْ أَفْرَاسُهَا مِنْ غَيْرِ مُغَيِّرٍ (¬10) مِلْءَ أَعِنَّتِهَا.
وَحَكَى (ابْنُ وَضَّاحٍ (¬11) عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: أَنَّ) (¬12) أَسَدَ بْنَ مُوسَى (¬13)
¬_________
(¬1) ساقطة من (غ).
(¬2) ساقطة من (ط).
(¬3) في (ت) وهامش (خ): "كتاباً".
(¬4) في (م) و (ت): "يقدروا".
(¬5) انظر: طبقات علماء إفريقية (ص110)، وترتيب المدارك عند ترجمة ابن فروخ (1/ 345)، ورياض النفوس (1/ 118).
(¬6) ساقطة من (ط).
(¬7) في (م) و (ط): "النكر".
(¬8) في (م) و (خ): "بها"، وفي (ر): "في هذا".
(¬9) ساقطة من (غ).
(¬10) في (ر): "مغبز".
(¬11) هو الإمام الحافظ، محدث الأندلس، أبو عبد الله محمد بن وضاح بن بزيع المرواني، مولى صاحب الأندلس عبد الرحمن بن معاوية الداخل، ولد سنة 199هـ، كان عالماً بالحديث بصيراً بطرقه وعلله، ورعاً زاهداً، صبوراً على نشر العلم، رحل إلى المشرق وطلب الحديث، نفع الله به أهل الأندلس. ومن كتبه: البدع والنهي عنها، والقطعان، والعباد والعوابد. توفي سنة 287هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 445)، الأعلام للزركلي (7/ 358)، تذكرة الحفاظ (2/ 646)، لسان الميزان (5/ 416).
(¬12) ما بين المعكوفين بياض في (غ).
(¬13) هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، يقال له أسد السنة، روى عن ابن أبي ذئب والليث بن سعد وشعبة، وكانت ولادته سنة 132هـ، سنة زوال دولة آبائه بني أمية، وقد طلب العلم، ولقي الكبار، ورحل وجمع وصنّف، وله كتاب الزهد وغيره، وكان حريصاً على السنة، شديداً على أهل البدع، عاش ثمانين سنة ثم توفي سنة 212هـ.=

الصفحة 39