كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَحْمُودِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، الَّذِي بِحَمْدِهِ يُسْتَفْتَحُ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ، خَالِقِ الْخَلْقِ لِمَا شَاءَ، وَمُيَسِّرِهِمْ (¬1) عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ ـ لَا عَلَى وَفْقِ أَغْرَاضِهِمْ ـ لِمَا سَرَّ وَسَاءَ، وَمُصَرِّفِهِمْ بِمُقْتَضَى الْقَبْضَتَيْنِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (¬2)، وهاديهم (¬3) النَّجْدَيْنِ (¬4)، فَمِنْهُمْ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ، وَمُسَوِّيهِمْ عَلَى قَبُولِ الْإِلْهَامَيْنِ (¬5) فَفَاجِرٌ وَتَقِيٌّ، كَمَا قَدَّرَ أَرْزَاقَهُمْ بِالْعَدْلِ عَلَى حُكْمِ الطَّرَفَيْنِ، فَفَقِيرٌ وَغَنِيٌّ، كُلٌّ مِنْهُمْ جَارٍ عَلَى ذَلِكَ الْأُسْلُوبِ فَلَا يَعْدُوهُ، فَلَوْ تمالؤوا (¬6) على أن يسدوا ذلك البَثْقَ (¬7) لَمْ يَسُدُّوهُ، أَوْ يَرُدُّوا ذَلِكَ (¬8) الْحُكْمَ السَّابِقَ لَمْ يَنْسَخُوهُ وَلَمْ يَرُدُّوهُ، فَلَا إِطْلَاقَ لَهُمْ عَلَى تَقْيِيدِهِ وَلَا انْفِصَالَ {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلاَلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} (¬9).
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى (سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا) (¬10) مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرحمة،
¬_________
(¬1) في (ر): "وميسيرهم".
(¬2) يشير المؤلف إلى أحاديث القدر مثل حديث أنس عند أبي يعلى "إن الله قبض قبضة فقال: هذه إلى الجنة برحمتي، وقبض قبضة فقال: هذه إلى النار ولا أبالي"، انظر مسند أبي يعلى (6/ 144)، وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة تحت رقم (47).
(¬3) هكذا في (غ) و (ر)، وفيه بقية النسخ: "وهداهم".
(¬4) يشير إلى قوله تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ *} سورة البلد: آية (10) وهما الطريقان: طريق الخير وطريق الشر. انظر تفسير ابن كثير (4/ 180).
(¬5) يريد قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا *}، سورة الشمس: آية (8).
(¬6) مالأه على كذا (ممالأة): ساعده، وتمالؤا على الأمر اجتمعوا عليه. الصحاح للجوهري (1/ 73).
(¬7) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "السبق". قال في القاموس ص865: "بثق النهر .. : كسر شطة لِينبثق الماء، واسم ذلك الموضع: البَثْق".
(¬8) ساقطة من (غ).
(¬9) سورة الرعد، آية (15).
(¬10) ما بين المعكوفين ساقطة من (ت) و (غ) وأصل (خ)، وهو مثبت في هامش (خ).

الصفحة 5