كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

وَكَاشِفِ الغُمَّة (¬1)، الَّذِي نَسَخَتْ شَرِيعَتُهُ كُلَّ شَرِيعَةٍ، وَشَمَلَتْ دَعْوَتُهُ كُلَّ أُمَّةٍ، فَلَمْ يبقَ لِأَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ حُجَّتِهِ، وَلَا اسْتَقَامَ لِعَاقِلٍ طَرِيقٌ سِوَى لَاحِبِ (¬2) مَحَجَّته (¬3)، وَجَمَعَتْ تَحْتَ حِكْمَتِهَا كُلَّ مَعْنًى مُؤْتَلِفٍ، فَلَا يُسْمَعُ بَعْدَ وَضْعِهَا خِلَافُ مُخَالِفٍ، وَلَا قَوْلُ مُخْتَلِفٍ، فَالسَّالِكُ سَبِيلَهَا مَعْدُودٌ فِي الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، وَالنَّاكِبُ (¬4) عَنْهَا مَصْدُودٌ إِلَى الْفِرَقِ الْمُقَصِّرَةِ أَوِ الْفِرَقِ الْغَالِيَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ (¬5) الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِشَمْسِهِ الْمُنِيرَةِ، وَاقْتَفَوْا آثَارَهُ اللَّائِحَةَ، وَأَنْوَارَهُ الْوَاضِحَةَ وُضُوحَ الظَّهِيرَةِ، وَفَرَّقُوا بِصَوَارِمِ أَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ بَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ فَاجِرَةٍ وَمَبْرُورَةٍ، وَبَيْنَ كُلِّ حُجَّةٍ بَالِغَةٍ وَحُجَّةٍ مُبِيرَةٍ (¬6)، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ السبيل، وسائر الْمُنْتَمِينَ إِلَى ذَلِكَ الْقَبِيلِ (¬7)، (وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) (¬8).
أما بعد فإني أذاكرك (¬9) أَيُّهَا الصَّدِيقُ الْأَوْفَى، وَالْخَالِصَةُ الْأَصْفَى، فِي مُقَدِّمَةٍ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَدَأَ (¬10) الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بدأ فطوبى (¬11)
¬_________
(¬1) الغُمَّة: الكربة، ويقال: أمر غمّه أي مبهم ملتبس. الصحاح (5/ 1998)، والمراد: غمّة الجاهلية وظلامها.
(¬2) في (ط): "لأحب" بالهمزة، وفي (غ) و (ر): "لاجب" وهو خطأ، واللاحب الطريق الواضح، والتحب فلان محجة الطريق إذا ركبها. لسان العرب لابن منظور (1/ 737).
(¬3) المحجة بفتحتين: جادة الطريق. الصحاح (1/ 228).
(¬4) نكب عن الطريق: عدل. ويقال: نكب عنه تنكيباً وتنكب عنه تنكباً، أي مال وعدل. الصحاح للجوهري (1/ 228).
(¬5) ساقطة من (ت).
(¬6) مبيرة أي فاسدة هالكة. انظر لسان العرب (4/ 86).
(¬7) القبيل: الجماعة تكون من الثلاثة فصاعداً من قوم شتّى. الصحاح (5/ 1797).
(¬8) ما بين المعكوفين ساقطة من (ت).
(¬9) في (ط): "أذكرك".
(¬10) في (ط): "بدئ"، وضبطت الكلمة (في خ وط بضم الباء وكسر الدال)
قال الإمام النووي: "بدأ الإسلام" كذا ضبطناه بدأ بالهمز من الابتداء". انظر صحيح مسلم بشرح النووي (2/ 176).
(¬11) قال الإمام النووي: "وطوبى فعلى من الطيب قاله الفراء، قال: وإنما جاءت الواو لضمة الطاء، قال: وفيها لغتان، تقول العرب: طوباك وطوبى لك، وأما معنى طوبى =

الصفحة 6