كتاب الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني (اسم الجزء: 1)

لِلْغُرَبَاءِ"، قَالُوا (¬1): يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَكُونُ غَرِيبًا؟ قَالَ: "كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ فِي حَيِّ كَذَا وَكَذَا (¬2): إِنَّهُ لَغَرِيبٌ" (¬3).
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْغُرَبَاءِ: قَالَ (¬4): "الَّذِينَ يُحْيُونَ مَا أَمَاتَ النَّاسُ مِنْ سُنَّتِي" (¬5).
وَجُمْلَةُ (¬6) الْمَعْنَى فِيهِ مِنْ جِهَةِ وَصْفِ الْغُرْبَةِ مَا ظَهَرَ بِالْعِيَانِ وَالْمُشَاهَدَةِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَآخِرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَفِي جَاهِلِيَّةٍ جَهْلَاءَ، لَا تَعْرِفُ مِنَ الْحَقِّ رسماً (¬7)، ولا تقيم له (¬8) فِي مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ حُكْمًا، بَلْ كَانَتْ تَنْتَحِلُ (¬9) ما وجدت عليه آباءها، وما استحسنته أَسْلَافُهَا، مِنَ الْآرَاءِ الْمُنْحَرِفَةِ، والنِّحَل الْمُخْتَرَعَةِ، وَالْمَذَاهِبِ المبتدعة.
¬_________
(¬1) في (غ) و (ر): "قيل".
(¬2) ساقطة من (غ).
(¬3) أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها، باب في نقض عرى الإسلام، وفي سنده مبارك بن فضالة يدلس ويسوّى. قال أبو زرعة عنه: "إذا قال ثنا فهو ثقة". انظر: الكاشف للذهبي (3/ 104)، تقريب التهذيب (2/ 227)، وقد عنعن الحديث هنا، وهو من مراسيل الحسن.
(¬4) في (غ): "فقال".
(¬5) رواه الإمام الترمذي في كتاب الإيمان من سننه، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً برقم (2630) عن كثير بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن جده وذكره بلفظ أطول آخره: "فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنّتي" وقال: حسن صحيح (5/ 19)، ورواه أبو نعيم في الحلية (2/ 10)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفي آخره: "قيل: يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله" (2/ 120)، والخطيب في شرف أصحاب الحديث كالذي عند ابن عبد البر (ص23)، وكذلك البيهقي في الزهد الكبير برقم (207) (ص150)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 350)، والبغوي في شرح السنة (1/ 121). ومدار الحديث على كثير بن عبد الله المزني قال عنه ابن حجر: "ضعيف ومنهم من نسبه إلى الكذب". انظر: التقريب (2/ 132)، وقال عنه الذهبي في الكاشف: "واه، قال أبو داود: كذاب" (3/ 5).
(¬6) في (غ) و (ر): "وجملة ما فيه".
(¬7) الرسم: الأثر. الصحاح (5/ 1932).
(¬8) في (ط): "به".
(¬9) تنتحل كذا: أي تدين به، والنحلة الديانة، وقيل: الدعوى. انظر: لسان العرب لابن منظور (11/ 650)، الصحاح للجوهري (5/ 1826).

الصفحة 9