كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 1)

الحروف المأخوذة منها الحركات: الواو، والياء والألف، فأما الألف فلا سبيل إلى جعلها أولا، من قبل أنها لا تكون إلا ساكنة، والأول لا يكون ساكنا؛ فجعل مكانها أقرب الحروف منها، وهي الهمزة، فاجتمع فيها- أعني الهمزة- قربها من الألف، وكثرة وقوعها زائدة أولا، فكانت أولى الحروف بالوضع مكان الألف.
وأما الواو فإنها لا تقع زائدة أولا في حكم التصريف، فأبدل منها حرف يبدل من الواو كثيرا، وهو التاء، ومواضع بدلها من الواو كثير، منها قولهم: " تخمة " وهي من الوخامة وتهمة، وتقي، وتراث، واتعد، إذا أردت " افتعل " من الوعد، وقولهم: " تالله " مكان " والله ".
واحتاجوا بعد هذه الحروف إلى حرف رابع، فكان أقرب الحروف من حروف المد واللين " النون "؛ وذلك أنها غنة في الخيشوم تجري فيه كما تجري حروف المد واللين في مواضعها، وتكون إعرابا في قولك: تفعلان، ويفعلون، وتفعلين، تكون لضمير جماعة المؤنث في قولك: " قعدن " في مكان " قعدوا "، و " قمن " في مكان " قاموا "، وتبدل منها الألف في الوقف، في قولك: " رأيت زيدا " فجعلوا النون هو الحرف الرابع والله أعلم.
قال: " وليس في الأسماء جزم؛ لتمكنها، وإلحاق التنوين بها فإذا ذهب التنوين لم يجمعوا عليه ذهابه، وذهاب الحركة ".
إن سأل سائل فقال: لم دخل التنوين الاسم؟ قيل له من قبل أن الأسماء على ثلاثة أقسام: منها أن تكون على خفتها غير داخل عليها ما ينقلها إلى شبه الفعل، ومنها ما يشبه الأفعال، ومنها ما يشبه الحروف، فوجب أن ترتب على هذه المراتب الثلاث، فنون أخفها ليكون حذف التنوين علامة لما يشبه الفعل عندهم، وحذف الحركة والتنوين،
ولزوم طريقة واحدة علامة لما يشبه الحرف. وسنبين كل ما يشبه الحرف في موضعه إن شاء الله.
فإن قال قائل: فهلا اقتصروا على الإعراب في الاسم الأخف وسكنوا ما يشبه الفعل؟ قيل له: لو فعلوا ذلك لم يكن فرق بين ما يشبه الفعل أو بين ما يشبه الحرف.
فإن قال قائل: فكيف صارت النون أولى بذلك من سائر الحروف؟ قيل له: لأن النون غنه في الخيشوم، وهي أقرب الحروف وأشبهها بحروف المد واللين.
فإن قال: فلم لم يدخل الجزم الاسم؟ فإن الذي قال " سيبويه " في ذلك: أنه لو دخل

الصفحة 25