كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 1)

قيل له: من قبل أن وقوعه موقع الاسم، ليس بعامل لفظي، فأشبه الابتداء الذي ليس بعامل لفظي.
فإن قال قائل: فإذا زعمتم أن الأفعال ترتفع بوقوعها مواقع الأسماء، فلم قلتم: " كاد زيد يقوم "، و " جعل زيد يقول "، و " أخذ زيد يقول كذا وكذا "، وهذه مواضع لا تقع الأسماء موقعها، لا تقول: " كاد زيد قائما " ولا " جعل زيد قائلا "، ولا " أخذ زيد ذاهبا "؟
قيل له في ذلك وجوه: منها أن " كاد زيد يقوم " في موضع " كاد زيد قائما "، وإن كان لا يستعمل الاسم بعده، كما أن قولك: " عسى زيد أن يقوم " في تقدير " عسى زيد القيام "؛ لأن أن الخفيفة والفعل، بمنزلة المصدر، وفي تقديره وإن كان المصدر غير مستعمل في " عسى "، وكما أن قولك: " لا تأتني فأشتمك " ينتصب على تقدير: فأن أشتمك ولا يجوز إظهاره والتكلم به، وإن كان الفعل معربا على تقديره، كذلك الفعل في " كاد " مرفوع على تقدير وقوعه موقع الاسم، وإن كان الاسم لا يجوز استعماله وإظهاره فيه.
ومنها أن ارتفاع الفعل- في هذه المواضع التي ذكرناها- غير ناقض لما أصّلناه؛ وذلك أنا إذا قلنا: إن الفعل يرتفع، بوقوعه موقع الاسم فلا يلزمنا بهذا ألا يرتفع إلا بوقوعه موقع الاسم، كما أن نقول: إن الفعل ينجزم بلم، وينتصب بلن، ولا يلزمنا ألا ينجزم إلا بلم ولا ينتصب إلا بلن، وذلك إنا إذا ذكرنا أحد العوامل في رفع، أو نصب، أو جزم، لم يلزم ألا يكون في الكلام عامل غيره لذلك الشيء، ولكن يجب متى جعلنا عاملا لشيء من الإعراب في حال، أن نجعله عاملا أين وجد على تلك الشريطة، وبذلك الوصف.
فإن قال قائل: فهبكم غير ناقضين لما أصلتم، ولا تاركين لما قلتم، فلم رفعتم الفعل بعد " كاد " وأخواته اللاتي ذكرناها؟ قيل له في ذلك- غير ما تقدم- وجهان آخران:
أحدهما: أن " كاد " لما لم يكن عاملا في الفعل تعرّى الفعل من العوامل اللفظية، فناسب الأفعال التي تقع مواقع الأسماء، في تعرّيها من ذلك، فرفع بهذه المناسبة.
والوجه الثاني: أن " كاد " لا تستغنى باسمها- إذا أردت هذا المعنى- ولا أخواتها، فأشبه " كان " وأخواتها، و " إن " وأخواتها، وكل ما يحتاج إلى خبر، فرفع الفعل الذي لا يستغني اسم " كاد " عنه، كما رفع في " كان " وأخواتها، وسائر ما ذكرنا.

الصفحة 30