كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 1)

ووجه ثالث أيضا: وهو أن " كاد زيد يفعل " إنما أصله: " يفعل زيد "، ودخلت كاد تقريبا لهذا بعينه، ومشارفة له، ولم يكن مما يجوز أن يعمل فيه فبقي على أصله.
فإن قال قائل: فلم رفعتم الفعل بعد السين وسوف ولا يقع الاسم بعدها؟ قيل له:
السين وسوف إذا دخلا على الفعل صارا من صيغة الفعل بمنزلة الألف واللام إذا دخلا على الاسم، وذلك أنهما إذا دخلا على الفعل خلصاه للمستقبل بعينه كتخليص الألف واللام الاسم لواحد بعينه، ولم يدخلا لتغيير معنى فيما دخلا عليه، وإنما دخلا لتحصيل المعنى لنا، وتعريفه إيانا، ولم يتغير المعنى في نفسه، وإنما العوامل هي الأشياء التي تدخل على الألفاظ بعد حصول معانيها، فتقرها على ما كان يعرفه المخاطب من معانيها، فاعرف ذلك إن شاء
الله.
فإن قال قائل: بماذا تنصبون الأفعال المضارعة؟ قيل له: جملة ما ينصب به الأفعال المضارعة أربعة أحرف، وهي: أن الخفيفة، ولن، وكي، وإذن، أما أن الخفيفة فهي أم الحروف في هذا الباب، والغالبة عليه، والقوية فيه، وهي إذا وقعت على الأفعال المضارعة خلصتها للاستقبال ونصبتها، فأما علة نصبها، فمن قيل أن " أن " وما بعدها من الفعل بمنزلة المصدر كما أن " إنّ " المشددة وما بعدها من الاسم والخبر، بمنزلة اسم واحد، فلما كانت المشددة ناصبة للاسم جعلت هذه ناصبة الفعل.
فإن قال قائل: فلم لا تنصبون بما، إذا جعلتموها والفعل كالمصدر في قولك:
" يعجبني ما تصنع "؟ فإن الجواب في ذلك: أن أصحابنا قد اختلفوا في " ما " إذا كان الفعل بعدها، فكان الأخفش (¬1) لا يجيز أن تكون " ما " إلا اسما، إذا كانت كذلك، فإن كانت معرفة فهي بمنزلة " الذي " عنده والفعل في صلتها، كما يكون في صلة " التي " فترفع كما يرفع الفعل إذا وقع صلة للذي، أو تكون نكرة في تقدير شيء، فيكون الفعل صفة لها فيرتفع كما يرتفع الفعل إذا كان صفة لشيء لا يجعلها حرفا، مثل " أن " فلا يلزمه هذا السؤال.
وأما سيبويه فقد أجاز أن تكون " ما " بمنزلة " أن " ويكون الفعل الذي بعدها صلة
¬__________
(¬1) أبو الحسن سعيد بن مسعدة، الأخفش الأوسط، أخذ عن سيبويه، وعنه عرف كتاب سيبويه. توفي سنة 215 هـ. نزهة الألباء 133.

الصفحة 31