كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 1)

وروي عن " الخليل " روايتان في " لن "، إحداهما مثل القول الذي ذكرناه، والثانية أنها كانت " لا أن " فحذف وخفف لكثرته، كما قالوا: " أيش " و " يلمّه " والأصل " أي شيء " و " ويل أمه ".
واحتج سيبويه مبطلا لهذا القول فقال: لو كان معنى " لن " لا أن، لما جاز أن نقول:
" زيدا لن أضرب "، كما لا يجوز " زيدا لا أن أضرب "؛ لأن ما في صلة أن لا يعمل فيما قبله.
وللمحتج عن " الخليل " أن يقول: إن الحرفين إذا ركّبا قد يتغير معناهما منفردين، من ذلك أنك تقول: " لو جئتني لأكرمتك " فإنما امتنعت من إكرامه؛ لامتناع مجيئه، و " لو " يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، فإذا أدخلت على " لو " " ما "، أو " لا "، استحال معناها الأول، وصارت بما بعدها للتحضيض، نحو قول الله عزّ وجل: لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ (¬1) وقوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ (¬2) والمعنى: هلا، و " لولا " قد يكون لها معنى آخر، وهو أن يمتنع الشيء بها لوقوع غيره، كقولك: " لولا عبد الله أتيتك " فإنما امتنع الإتيان من أجل المحذوف بعد عبد الله، والمعنى لولا عبد الله قائم، أو عندك، أو نحو ذلك، فبذلك المعنى المضمر، ومن أجله امتنع إتيانه، فقد رأينا حروفا يتغير معناها، بتركيب غيرها معها. فيقول المحتج للخليل: إن معنى " لن " لا أن، إلا أنا إذا ركبنا أن مع " لا " لم يكن الفعل
صلة لها، كما يكون صلة لأن، وصارت بمنزلة " لم " في أن الفعل الذي بعدها ليس بصلة لها.
فإن قال قائل: فإذا كان أصلها: " لا أن "، فهل جاز استعمالها على أصلها، كما جاز أن يقال: " أي شيء "، و " ويل أمه "، فيستعملا على أصولهما؟ قيل له المخفف والمحذوف على ضربين:
أحدهما: يجوز استعماله على أصله، والآخر متروك استعماله، غير جائز إجراؤه على أصله، لترك العرب لذلك، ولغيره من العلل التي لا يتسع الموضع لها، فمن المحذوف الذي يجوز رد ما حذف منه ما ذكرناه وهو " أي شيء " و " ويل أمه " وما لا أحصيه كثرة.
¬__________
(¬1) سورة الحجر، آية 7.
(¬2) سورة المنافقون، آية 10.

الصفحة 33