كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 1)

وما لا يجوز استعماله على أصله قولنا: " كينونة " و " قيدودة " (¬1) و " ميلولة " وما كان من المصادر نحو ذلك، والأصل فيه عندنا " فيعلولة " " كيّنونة " و " ميّلولة " و " قيّدودة " وخفف كما يخفف في " سيد " فيقال: " سيد "، وفي " لين " فيقال: " لين "، إلا أنه لا يجوز في " كينونة " وبابها إلا التخفيف، وترك الإجراء على الأصل، ومن ذلك ما ينصب بإضمار " أن " مع الفاء والواو في قولنا: " لا تأتنا فنهينك "، و " لا تقرب الأسد فيأكلك "، و " لا تنه عن شيء وتأتي مثله " (¬2) هذا كله بإضمار " أن " ولا يحسن إظهارها.
فقد وضح بما قلنا أن المحذوفات تنقسم قسمين: أحدهما جائز ردّ ما حذف منه، والآخر قبيح، وكذلك " لن " على ما ذكرنا من حجة هذا المحتج مخففة من " لا أن " وقبيح استعمال " لا أن " والقول هو الأول لأن " لن " إذا أفردت لها حكم غير متعلق بحكم " أن " كحرف واحد موضوع لمعناه.
وزعم الفراء أن " لن " و " لم " و " لا " أصلها واحد، وأن الميم والنون مبدلتان من الألف في " لا " وهذا ادعاء شيء لا نعلم فيه دليلا، فيقال للمحتج عنه، ما الدليل على ما قلت؟ فلا يجد سبيلا إلى ذلك.
فأما " كي " فإن الذي ينتصب بعدها من الفعل المضارع على وجهين: أحدهما: أن تكون هي الناصبة، وهي حرف، وإنما نصبت من قبل أن الذي يقع بعدها مستقبل، فشابهت " أن " في وقوع " ما " بعدها مستقبلا، وفي جعل " كي " حرفا بمنزلة " أن " ونصب بها نفسها، أدخل عليها اللام، كما يدخلها على " أن " فيقول " أتيتك كي تكرمني " و " أتيتك لكي تكرمني "، كما تقول: " أتيتك لأن تكرمني "، فدخول اللام عليها دلالة على أنها بمنزلة " أن ".
ومن العرب من يقول " كيم " فيدخل على " كي " " ما " في الاستفهام، ويحذف الألف من " ما " كما يدخل حروف الجر
على " ما " في الاستفهام، ويحذف ألفها نحو: لم وبم وعم ومم وفيم، فلذلك قال: " كيم " جعل " كي " بمنزلة اللام، وفي، وعن، وسائر حروف الجر، ونصب الفعل بعدها بإضمار " أن " كما ينصب بعد اللام بإضمار " أن " إذا
¬__________
(¬1) انظر اللسان، مادة (قدد) 4/ 345.
(¬2) صدر بيت، وعجزه: عار عليك إذا فعلت عظيم.

الصفحة 34