كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 1)

هذا باب الأمر والنهي
" الأمر والنهي يختار فيهما النصب، في الاسم الذي يبنى عليه الفعل، ويبنى على الفعل ".
قال أبو سعيد: اعلم أن الأمر والنهي هما بالفعل فقط؛ لأنك إنما تأمر بإيقاع فعل، وتنهى عن إيقاع فعل، وربما أمرت باسم هو في المعنى واقع موقع الفعل كقولك: " عندك زيدا " و " دونك زيدا " في معنى: خذ زيدا، وكقولك: " حذار زيدا " في معنى: احذر زيدا.
فإذا كان الأمر على هذا، ثم أتيت باسم، قد بني الفعل بعده على ضميره نصبته، لإضمار فعل، على نحو ما ذكرنا في الاستفهام، فقلت: " زيدا اضربه "، على تقدير: اضرب زيدا اضربه، و " زيدا لا تشتمه " على تقدير: لا تشتم زيدا لا تشتمه.
وكان النصب في الأمر والنهي أولى وأقوى من الاستفهام؛ من قبل أن الأمر والنهي لا يكون إلا بفعل على ما ذكرنا، وقد يكون الاستفهام بغير فعل، كقولك:
" أزيد أخوك "، و " أعبد الله عندك ".
ومن ذلك أيضا: " أمّا زيدا فاقتله " و " أمّا عمرا فاشتر له ثوبا "، و " أمّا خالدا فلا تشتم أباه "، و " أمّا بكرا فلا تمرر به "، وذلك أن ما بعد " أمّا " كالكلام المستأنف، فنصبته على ما ذكرنا من النصب في الأمر، ولم تقدّر الفعل بعد " أمّا "؛ لأنها لا يليها الفعل، ولكن تقدّر الفعل بعد الاسم بلا ضمير، وتعدّيه إلى الاسم وتحذفه، ثم تأتي بالفعل الواقع على الضمير، فتفسر به الفعل المحذوف، فيكون تقديره: " أمّا زيدا فاقتل قاتله " وأمّا بكرا فلا تلق فلا تمرر به، وأما خالدا فلا تهن فلا تشتم أباه، ولا بد من الفاء بعد " أمّا ".
ومنه: " زيدا ليضربه عمرو "، و " بشرا ليقتل أباه خالد "؛ لأنه أمر للغائب فهو كالمخاطب في باب الأمر، وقد يجوز فيه الرفع، وذلك قولك: " عبد الله اضربه " و " أمّا زيد فاقتله "، وذلك أن الأمر فعل ومعه فاعله، فهو جملة، فجئت بالاسم مبتدأ، وجعلت الجملة في موضع خبره، وأدخلت الفاء بعد " أمّا "، ولم تدخلها إذا بدأت بالاسم؛ لأنك جعلت الأمر في موضع الخبر، فإذا قلت: " زيدا اضربه " كان كقولك: " زيد منطلق " ولو قلت:

الصفحة 491