كتاب مجموع رسائل الحافظ العلائي

وقد ذكر أبو بكر الرازي في كتابه "أحكام القرآن" معلقًا عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن ابن عباس، عن عمر -رضي اللَّه عنهما- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أصاب مارية القبطية -رضي اللَّه عنها- في بيت حفصة، فعلمت به فجزعت منه، فقال لها: "ألا ترضن أن أحرمها فلا أقربها؟ (ص 20)
قالت: بلى؛ فحرمها وقال: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ" فذكرته لعائشة -رضي اللَّه عنها- فأظهره اللَّه عليه وأنزل عليه الآية (¬1).
ومحمد بن إسحاق متكلم فيه وهو مدلس أَيضًا.
وروى البيهقي القصة مطولة من طريق عطية بن سعد العوفي، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهم- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لحفصة -رضي اللَّه عنه-: "وَاللَّهِ لَأُرْضِيَنَّكِ إِنِّي مُسِرٌّ إِلَيْكِ سِرًّا فَاحْفَظِيهِ، إِنَّ سَرِيَّتي هَذِهِ عَلَيَّ حَرَامٌ رِضًى لَكِ" (¬2).
فانطلقت حفصة فأسرت إلى عائشة -رضي اللَّه عنها- فأسرت إليها ذلك، فنزلت الآية.
وعطية هذا مشهور [. . .] (¬3) لكن هذه الروايات كلها يعتضد باجتماعها وبالحديث الذي رواه النسائي، وثابت في "الصحيحين" (¬4) من قول عمر -رضي اللَّه عنه- أن المتظاهرتين عائشة وحفصة -رضي اللَّه عنهما-، وفي قول ابن عباس المتقدم في "الصحيحين" إذا حرم الرجل امرأته. . . الحديث إشارة إلى ذلك أَيضًا كما تقدم.
وقد ذكر ابن العربي وغيره أن الأصح كون الآية نزلت في قضية العسل لكونها مخرجة في "الصحيحين" دون قصة تحريم مارية -رضي اللَّه عنها-، وفي ذلك نظر لما أشرنا إليه من أن قصة التحريم لمارية لها أصل في "الصحيحين" أَيضًا.
وقال أبو بكر الرازي: يحتمل أن تكون الآية نزلت عقيب كل من القصتين وكانتا مقاربتين في الوقت يعني فظن كل من روى قصة أنها نزلت في تلك فقط.
¬__________
(¬1) "أحكام القرآن" (5/ 362).
(¬2) "السنن الكبير" (7/ 352).
(¬3) كلمة غير مقروءة في الأصل. وهي أشبه بـ (العوفي). وعطية هو ابن سعد العوفي من رجال التهذيب.
(¬4) "صحيح البخاري" (4913)، "صحح مسلم" (1479).

الصفحة 194