كتاب مجموع رسائل الحافظ العلائي

وقد قال الثعلبي في "تفسيره": إن أكثر المفسرين على أنها نزلت في تحريم مارية (ص 21).
قُلْتُ: ومع ذلك فقد روي فيهما اليمين على التحريم كما قال مثله في العسل، ففي "المراسيل" لأبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بيت حفصة -رضي اللَّه عنها- فدخلت فرأت معه فتاته فقالت: في بيتي ويومي؟
فقال: "اسْكُتِي فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا وَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ" (¬1)،
وروى سعيد بن منصور عن هشيم، أنا داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حلف لحفصة أن لا يقرب أمته وقال: "هِيَ عَليَّ حَرَامٌ" فنزلت الكفارة ليمينه وأمر أن لا يحرم ما أحل اللَّه (¬2).
رواه البيهقي (¬3)، وكل من هذين المرسلين صحيح، وأحدهما يقوى بالآخر.
وروى ابن وهب عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال: حرم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أم ولده فقال: "أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَاللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ" فأنزل اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ}.
ذكره أبو بكر ابن العربي وغيره، وهذا مرسل آخر.
وقد رواه الدارقطني مسندًا عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد اللَّه، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن عمر -رضي اللَّه عنهما- فذكر القصة بنحو ما تقدم، وفيه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لحفصة -رضي اللَّه عنها-: "هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرُبْتهَا".
فقالت حفصة: فكيف تحرم عليك وهي أمتك؟
فحلف لها لا يقربها، وقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا تَذْكُرِيهِ لِأَحَدٍ" فذكرته لعائشة -رضي اللَّه عنها-؛ فآلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من نسائه شهرًا واعتزلهن؛ فأنزل اللَّه الآية (¬4).
¬__________
(¬1) "المراسيل" (240).
(¬2) "السنن" (1708).
(¬3) "السنن الكبير" (7/ 353) من طريق سعيد بن منصور.
(¬4) "سنن الدارقطني" (4/ 41 رقم 122) من طريق سعيد بن منصور.

الصفحة 195