التوفيق وإياه نسأل الهداية إلى أقصد الطريق، إنه بالإجابة جدير وهو على ما يشاء قدير.
وَالكَلَامُ فِيمَا قَصَدنَا لَهُ يَنحَصِرُ في ثَلَاثِ مَسَائِل:
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى: فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الصُّحْبَةِ حَتَّى يَنْطَلِقَ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ اسْمُ الصَّحَابِيّ.
وَفِي ذَلِكَ مَذَاهِبٌ مُتبايِنةٌ:
الأَوَّلُ- وهو الذي عليه جمهور أهل الحديث: أن كل مسلم رآه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولو لحظة وعقل منه شيئًا فهو صحابي سواءً كان ذلك قليلًا أو كثيرًا.
وهذا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن أحمد بن حنبل رحمه اللَّه، ورواه عبدوس ابن مالك قال: سمعت أبا عبد اللَّه يعني أحمد بن حنبل رحمه اللَّه يقول: كل من صحبه سنة أو شهرًا أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه (¬1).
وقال البخاري في "صحيحه": من صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه (¬2).
وأخرج أبو داود في "سننه" حديث طارق بن شهاب أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. . . " الحديث، ثم قال أبو داود عقيبه: طارق بن شهاب قد رأى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولم يسمع منه شيئا (¬3).
فدل إخراجه الحديث في "سننه" على أنه مسند، ولولا أن طارقًا يعد من الصحابة لمجرد الرؤية وإلا كان تابعيًا فيكون الحديث مرسلًا.
قال الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح رحمه اللَّه: المعروف في طريقة أهل الحديث أن
¬__________
(¬1) انظر "الكفاية في علم الرواية" (ص 51)، و"فتح المغيث" (3/ 93).
(¬2) "صحيح البخاري" (باب فضائل أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم) قبل الحديث (3649).
(¬3) "سنن أبي داود" (1067).