وإذا كان بمعنى يصير الشيء على حال بعد أخرى تعدى إلى مفعولين، كقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} (¬1) و {جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا} (¬2) ومنه قوله تعالى هنا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
ووسط الشيء: ما له طرفان، قال الأزهري: كل ما يبين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والمسبحة وحلقة الناس فهو بالتسكين، وما كان مصمتًا لا يبين بعضه من بعض كالدار والساحة فهو وسَط بالفتح قال: وقد أجازوا في الساكن الفتح، ولم يجيزوا في المفتوح الإسكان (¬3).
والوسط هنا صفة للأمة، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
وقد اختلف في معناه هنا، فالصحيح الذي لا يجوز غيره ما ثبت عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال: "عدلًا" رواه الترمذي هكذا، وقال: حسن صحيح (¬4). وأخرجه البخاري أطول من هذا، وسيأتي، وحكى هذا القول الجوهري عن الخليل والأخفش وقطرب، وقد قال غيره:
همُ وسط يرضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي العظائم
وقيل: الوسط: الخيار، واختاره صاحب "الكشاف" (¬5) قال: لأنه يستعمل في الجمادات فيقال: سطة الدنانير أي: خيارها، فكانت أوساط الشيء، وهي الخيار، لكونها سالمة مما يصل إلى الأطراف من الخلل والإعواز قال الطائي:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفَا
وتقول العرب: انزل وسط الوادي، أي: خير موضع منه.
¬__________
(¬1) البقرة: الآية 22.
(¬2) النحل: الآية 81.
(¬3) "الزاهر" (ص 110) بنحوه.
(¬4) "جامع الترمذي" (2961).
(¬5) "الكشاف" (ص 99).