كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 1)

[22]
إبراهيم بن عمر بن عبد الله، أبو إسحاق الموصليُّ.
المعروف والده بالقاتل، والدنبليِّ أيضًا ولم يكن دنبليًا، وإنما كان يتولّى خدمة الدنابلة وأشغالهم وقضاء حوائجهم فنسب إليهم.
وابنه أبو إسحاق /35 أ/ هذا كان شابًا ضريراً، شيطانًا مريداً. استوطن مدينة حلب، وتديَّرها إلى حين مماته بها في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وقد نيّف على الثلاثين بشيء يسير –سامحه الله تعالى وعفا عنه-.
ينبز الجني. وكان ينبغي لهذا الفاضل أن يسمى الجنِّي –بتشديد النون- على ما خبرت من شأنه؛ لأنه كان يأتي بضروب من الغرائب، يبدع فيها، كأنّ الجن قد أتت بها وعملتها، ويغرب في أشياء يخترعها لم يأت بمثلها البصراء فكيف العميان. وكان آية في الذكاء والفطنة، حاذق الفهم، ثاقب الحس.
وبلغني أنه كان إذا حضر مجلسًا وفيه نفر يجتمعون فيتناول شمعًا مختلف الألوان، فيداخل يديه من تحت أثوابه لينفي الظنّ عنه، ويصوغ من ذلك الشمع تمثال فرس وصورة فارس فوقه، ويفرق تلك الألوان على الفرس حليًا منقوشًا من طوق وسفرسار وسرج ولجام ومهامز.
ثم يضع للفارس عدّة كاملة كسيف و .... وقوس ونشَّاب وما شاكل ذلك مستوفى، حتى لم يكد يفوته من عدَّته شيء. /35 ب/ ثم يبرزه ويعرضه على الحاضرين فلم يبق أحد منهم إلاّ ويظهر التعجب من ذلك، ويستظرفه جداً، ويصفه بالذكاء والحذق.
وكان مع ذلك شديداً في نفسه، قوي القلب شجاعاً مقداماً جرئيًا. وأما مبلغه من العلم فكان شاعراً مطبوعًا، قارئًا حسنا. قرأ القرآن العزيز بالقراءات السبعة والشواذ، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي –رضي الله عنه- وفهم طرفًا من الفرائض والحساب والنجوم مع معرفة بالنحو والأدب.
وكان معاشراً خليعًا مدمنًا شرب الخمر قليل الدين، تاركًا للصلوات الخمس،

الصفحة 104