كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 1)

وكان أحمد شابًا له فطنة في الشعر لطيفًا دمثًا سهل الأخلاق. رحل إلى مدينة السلام وصار صوفيًا متزهِّداً، ولزم طريقة أهل الدين والتصوُّف، وأقام بها إلى أن مات يوم الاثنين العشرين من ذي الحجة سنة سبع عشرة وستمائة ولم يبلغ الثلاثين. وكانت ولادته بخلاط في سنة تسعين وخمسمائة؛ روى لي من شعره عنه جماعة.
أنشدني أبو الفتح محمد بن بدل التبريزي –رحمه الله تعالى- قال: أنشدني أحمد بن قاضي خلاط لنفسه يمدح الأشرف موسى بن العادل أبي بكر بن أيوب –رحمه الله-: [من الطويل]
دعيه فقد أودى الغران بقلبه ... لقد لمت لواجدى الملام بصبِّه
إليك فمن يصغي إليك وللهوى ... لدى اللَّوم وقر سدَّ سمع محبِّه
أرى جلدي قد قل عمَّا عهدته ... على أنَّه ما زال مغلوب حبِّه
فشدوة حاد بين جنبيَّ والجوى ... ولمعة برق بين دمعي وسكبه
/93 ب/ أزاجرهًا قف حيث تدنهو من اللِّوى ... بربع ملول لا أنقضاء بعجبه
وناد ألا هل من مجير على النَّوى ... لصبٍّ بسكب الدَّمع مغرى وصبِّه
ولي غلَّة في القلب ليس يبلُّها ... سوى ثغر ألمى بارد الرِّيق عذبه
ولي نحو رضوى زفرة تملأ الحشا ... جوًى تاركًا قلبي دمًا ملء خلبه
ولو لم أكن أصبو إلى العلم الَّذي ... ضراغمه صرعى جاذر سربه
لما ضاقت الدُّنيا علي بأسرها ... إذا ذكرت عندي مضائق شعبه
سقى الله نجداً ملعبي زمن الصِّبا ... وليُّ حيًا يولي حياةً لتربه
فتمسي أراضيه رياضًا وتجتلي ... على وهدة وشي الرَّبيع وهضبه
وتطرب ورق الأيك فيه عشيَّةً ... على عفَّة الأرواح من بين عشبه
فيا غيث بخلاً بالحيا حيث يغتدي ... فإن جئت نجداً جد به قبل جدبه
أحبُّ سيوف الهند حيث حكت ظبا ... لواحظ ظبي وصله لم أفز به
رجوت كرى يدني بعيد مزاره ... ويبرد قلبًا ذابً من حرِّ كربه
وأنَّى يذوق الغمض جفن مسهَّد ... جو فرشت شوك القتاد بجنبه
بعادي من الأهلين أدنى أنقلابه ... ونأيي عن الأوطان أيسر خطبه
إلى م أقضِّي العمر للدَّهر عاتبًا ... وليس يفيد الدَّهر تكرار عتبه

الصفحة 177