كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 1)

ثم أنشدني أبو الحسن، قال: أنشدني أحمد بن يرنقش العمادي لنفسه:
[من مجزوء الوافر]
مشيب الرَّأس حين بدا ... يقول دنا الَّذي بعدا
فقم بادر إلى عمل ... يسرُّك أن تراه غدا
فيومك ذا إذا ما فات ليس بعائد أبدا
/146 أ/ وأنشدني أبو الحسن السنجاري، أنشدي أحمد بن يرنقش لنفسه:
[من الطويل]
تقول وقد ودَّعتها ودموعها ... على نحرها من خشية البين تلتقي
مضى أكثر العمر الذي كان نافعًا ... رويدك فاعمل صالحًا في الَّذي بقي
وحدثني القاضي أبو القاسم – أسعده الله تعالى – قال: أخبرني جماعة بسنجار أن أحمد بن يرنقش مات في حبس قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي – صاحب سنجار – بعد أن قبض على جميع ماله ومنعه من الطعام والشراب، فبلغ من أمره أن أكل قلنسوته وأكمامه لشدة الجوع.
ودخل إليه بعض من كان يشرف على حاله من أصحاب قطب الدين، فقال له: قل لقطب الدين يطعمني ويسقيني، وأعطيه ألف دينار ولم يبق لي غيرها؛ فلما ذكر ذلك لقطب الدين ما ذكره، سير إليه طعامًا وماء بثلج، وقال للرسول: أدخله إليه ولا تمكنه حتى يعطيك الدنانير؛ فلما دخل إليه نظر إليه، فقال: لا سبيل لك إليه! إلا بعد إداء ما ذكرت، فقال: والله ما بقي لي شيء، والذي لي قد قبض جميعه، وإنما قلت ما قلت لتطعموني وتسقوني؛ فردوا الطعام والماء، ولم يتناول منه شيئًا /146 ب/ وخرجوا من عنده، فنام فرأى النبي – عليه السلام – في المنام فناوله شيئًا فأكله فزال عنه الجوع والعطس، فدخلوا عليه فوجدوه قائمًا يصلي؛ فلما فرغ من صلاته أخبرهم بما رأى، فلما بلغ قطب الدين اتهم والدته – أم قطب الدين – بأنها أنفذت إليه مأكولًا ومشروبًا. ولم يزل على ذلك إلى أن مات.
وبلغني أن قطب الدين – صاحب سنجار – لما احتضر ودنت منه وفاته جعل يشكو العطش ويسقى فلا يروى، وذكر أحمد بن يرنقش ويردد اسمه على لسانه

الصفحة 243