كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 1)

من سنة سبع وعشرين وستمائة. استدعي أبو الأزهر إلى دار الخلافة، وخلع عليه في موضع البستان خلعة جميلة. /151 ب/ سنية لنيابة الوزارة، وقلّد سيفًا محلى بالذهب.
وكان قد حاز من الأوصاف الحميدة في نفسه من: الفضل الشائع، والدين الذائع، وغزارة الأدب، وتوفر الحياء والعقل الرصين مع معرفته بالعلوم الأدبية، وإتقانه من الصناعتين؛ الكتابية، والشعرية، وتفننه في الإنشاء، وتصرفه في ذلك على حسب ما شاء. وما يحفظه من عيون الأشعار، ونكت السير، مع إحكامه للقرآن المجيد، وتحصيله لفنون الأدب دراسةً وبحثًا؛ فإنه نشأ عفيفًا صينًا عالي الهمة، شريف النفس، لم يطلع له على ريبة قط.
لا جرم حصل له ما لم يحصل لغيره، وخدمته السعادة، وامتطى غارب السيادة، وانقاد لطاعته قلوب الأنام، وامتثل أمره الخاص والعام، ومدحه الشعراء، واعترف بفضله الفضلاء، وأثنى عليه العلماء، ودعا له الصلحاء.
وله نظم صحيح المعاني، جيد المباني؛ ومن شعره ما قاله وكتبه على بعض القصور الشريفة: [من الكامل]
لله من قصر الخلافة منزل ... من دونه ستر النُّبوة مسبل
/152 أ/ وروقا ملك فيه أشرف بقعة ... ظلَّت تحار له العقول وتذهل
تغضي لغرَّته النَّواظر هيبةً ... ويردُّ عنه طرفه المتأمِّل
حسدت مكانته النُّجوم فودَّ لو ... أمسى يجاوره السِّماك الأعزل
وسما علوًّا أن يقبِّل تربه ... شفة فأضحى بالجباه يقبَّل
وله: [من الكامل]
أبدًا لشمس سعودك الإشراق ... يا موطنًا شرفت به الآفاق
بل يأمن الجاني ويقترب المدى ... للراغبين وتبسط الأرزاق
وله في مثله: [من السريع]
ومنزل تخفر القصور به ... لا زال يجري بسعده القدر
إنَّ القصور الَّتي تحفُّ به ... كواكب وهو بينها قمر

الصفحة 251