كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 1)

رأيته غير مرة. كان شابًا أشقر مشربًا بحمرة، مقرون الحاجبين، جميل الصورة؛ وله منظر.
اشتغل بشيء من الأدب على أبي الحرم مكي بن ريان النحوي، وكتب خطًّا حسنًا. وعرف علم النحو معرفة جيدة، وفهم حلّ التراجم، وقال الشعر، ورحل به إلى الملوك؛ إلاَّ أنه كان /27 ب/ رديء الاعتقاد، يتهاون بالدين والصلاة، ويطعن في الشريعة والإسلام، ويتظاهر بالإلحاد والفسق، ويصرُّ على شرب الخمر. وكان مع ذلك بغيضًا إلى الناس، ممقوتًا عندهم لما يرونه سالكًا طريق القبائح والأشياء المنكرة.
سافر إلى الديار المصرية والبلاد الشامية، وامتدح جماعة من ملوكها وكبرائها. وبلغني أنه قتل سنة سبع وعشرين وستمائة؛ وسبب ذلك أنَّ بعض ما كان يخالطه عثر له على أوراق تتضمن كلامًا ردئيًا في حقّ الله -سبحانه وتعالى- ما يوجب قتله، وأهاج في الملوك وكفريات. فأخذ الملك العزيز عثمان بن الملك العادل وصلبه بالصبيتة- قلعة قريبة إلى بانياس.
رأيته غير مرّة بالموصل، ولم آخذ عنه شيئًا لقلّة اهتمامي بهذا الشأن.
ووجدت له قصيدة بخط يده، قالها في الملك الظاهر غياث الدين غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب -رحمه الله- وأنشدنيها عنه أبو القاسم بن أبي النجيب /28 أ/ ابن أبي التبريزي، قال: أنشدني دنينير لنفسه: [من البسيط]
لولا تذكُّر عهد بالحمى سلفا ... ما فاض دمعي على ربع ولا كفا
ولا سقيت ربى الجرعاء من إضم ... دمعًا غدا يوم سار الحيُّ منذرفا
كم لي أكتِّم أشواقي ويظهرها ... سقم برى أعظمي يوم النوى أسفا
وفي الهوادج لي شمس إذا برزت ... يظلُّ منها جبين الشَّمس منكسفا
لولا النَّصيف يواري من أشعَّتها ... لما رأيت بمرأى وجهها سدفا
ولو بدا ثغرها يومًا رأيت له ... برقًا تألَّق للأبصار مختطفا

الصفحة 95