كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39] فإنهما صلاتان فُرِضَتَا أولًا ثم زِيدت عليهما. وكذلك أجدهما قد صُلِّيتا بعين شاكلة الفريضة قبل فرضية الخَمس أيضًا، كما عند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلّم صلى الفجر ببطن نخلة وَجَهَر فيها بالقراءة، وهي بعينها شاكلتها بعد فرضيتها. واتفقوا أيضًا على ثبوتهما إلا أنهم قالوا بكونهما نفلًا. وعندي لا دليل عليه.
فالحاصلُ: أنه لا خلاف في ثبوت الصلاتين من بدء الأمر كما في السير بإسناد فيه ابن لَهِيْعَة: أن جبرائيل عليه الصَّلاة والسَّلام علَّمه الوضوء عند نزول أوائل {اقْرَأْ} وعلمه الصلاة أيضًا. وابن لَهِيْعة عالم كبير احترقت كُتُبه، ثم كان يروي من حفظه، فاختلط فيها، فرواياته قبل الاحتراق مقبولة.
واستمر على ما يَرِدُ عليه والأجوبة عنه: (تابعه عبد الله بن يوسف).

4 - باب
5 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا. فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قَالَ جَمْعُهُ لَهُ فِى صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - كَمَا قَرَأَهُ. أطرافه 4927، 4928، 4929، 5044، 7524 - تحفة 5637
واعلم أن في المتابعة أربعة أشياء: المُتَابِع، والمتابَع، والمتابَع عنه، والمتابَع عليه. والبخاري يتفنَّن في ذكر المتابعات، فتارة يقول: تابعه فلان، وأخرى: تابعه عن فلان. فليعلم الفرق بينهما، فالفرق بين الأَوَّلين ظاهر، «وعنه»: هو ذلك الشيخ، «وعليه»: هو اللفظ، فعبد الله بن يوسف ههنا متابع (بالكسر)، ويحيى بن بُكَير الراوي شيخُ البخاري متابَع - بالفتح، والليث متابَع عنه.
ثم المتابعَة إما تامة أو ناقصة، وقد بينها العلماء في أصول الحديث، وكذا المتابعة غيرُ الشاهد والفرق بينهما مذكور في «النُّخْبة» وغيرها من كتب الأصول.
وفي هذا الحديث صفة أخرى للوحي.
5 - (وكان مما) قيل: مركب من «من» و «ما»، وقيل: «مما» بمعنى ربما، مركبًا كان أو مفردًا، واستشهد له بقول الحماسي:

الصفحة 108