كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

«نؤمن ساعة» وظاهره أنه ليس المرادُ منه الإيمان ساعةً فقط، بل ما في «الحصن الحصين»: «جددوا إيمانكم بقول: لا إله إلا الله» أي تجديده وإحضاره والتفكر فيه. ولا يخفى أن نَضْرة الإيمان ونَضَارَته وزهرَتَه ورِوَاءه، أمرٌ وراءَ الإيمان.
لكن عند المصنف رحمه الله تعالى كلُّها من وادٍ واحد. «اليقين الإيمان كله» اليقين أيضًا يُطلق على معنيين: الأول: اعتقادٌ جازمٌ مطابقٌ للواقع. والثاني: استيلاؤه على الجوارح، بحيث تخضعُ له الأعضاء، وهو المعروفُ بين الصوفية رحمهم الله تعالى، وهو عينُ الإيمان. «والكل» لتأكيد الشيءِ ذي الأجزاء، فصح الاستدلال، قاله الكرماني. وهذا الشرحُ أقدم من «فتح الباري» إلا أن مصنفه ليس بمحدث، فيأتي فيه بحلِّ اللغةُ فقط، ويُكثرُ الأغلاط في فن الحديث - كما فَعَلَه علي القاريء في «شرح الموطأ» - وكان شرحه موجودًا عند ابنه، فلما لم يقدِرْ على تصحيحه، أتى به عند الحافظ رحمه الله فصححه، إلا أن تلك النُّسخَة المصححة لا توجد اليوم.
(وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) والتقوى عنده عينُ الإيمان، وهو اسم لوقاية النفس عن الشرك، والأعمالِ السيئة، والمواظبة على الأعمال الصالحة، وبهذا التقرير صح الاستدلال «ما وصى به الخ» يريدُ أن الدينَ من لدن نوحٍ عليه الصَّلاة والسَّلام إلى يومنا هذا مع الاختلاف في الجزئيات، فكذلك الإيمانُ مع كونه ذي أجزاء أمر واحد. ومعلوم أنَّ الدينَ والإيمانَ، عند المصنف رحمه الله تعالى شيءٌ واحد. وللمانع فيه مجال وسيع.
(وقال ابن عباس رضي الله عنهما) قال أهل اللغة: المِنْهَاج: الطريق الواسع، بخلاف الشِّرعة، فإنها اسم للطرق التي تنشعب من السبيل، ولما اتحدَ المنهاجُ وتعددت الشِّرعة، حصل غَرضُ البخاري، وجوابه: أن الكلام في الإيمان لا في لفظ الشِّرعة، وإن كان الكلُّ عندكَ متقاربًا. فالسنةُ تفسيرٌ للشرعة. واللف والنشر مشوش.

2 - باب دُعاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ؛ لقَوْلِهِ تعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}
ومعنى الدعاء في اللغة: الإيمان.
8 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».
طرفه 4515 - تحفة 7344
(لولا دعاؤكم) وفيه إطلاق الإيمان على الدعاء، وهو من الأعمال، لأن طريقهَ المعروفُ برفع الأيدي، فهو عملُ اليد واللسان، فصح استدلالُ المصنف رحمه الله تعالى. قلت: وعندي أن الآية لا تعلقَ لها بموضع النزاع، فإنها في حق الكفرة الفجرة، كما يدل عليه قول: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} والدعاء لا ينحصر في اللغة فيما شاع الآن في عرفنا، وهو ما يكونُ برفع الأيدي، بل هو كما في قوله: {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ} الخ. وكما في قوله: {دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ}

الصفحة 149