كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
بِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». تحفة 12816
9 - قوله: (الحياء) وهو عندي لا ينقسمُ إلى نوعين: شرعيٌ وعرفيٌ كما قالوا، بل هو أمر واحدٌ، فمن غَلَبَ عليه ذكر الله استحى منه أن يهتكَ محارِمَه، ومن غلبتْ عليه الدنيا استحى منها، فالفرق باعتبار المتعلَّق، واعلم: أن بعض الأخلاق الحسنة التي هي مبادىء للإيمان مقدَّمة على الإيمان، يجيءُ عليها لون الإيمان كالأمانة، ولذا قال: «لا إيمانَ لمن لا أمانَةَ لَهُ» فالأمانةُ متقدِّمةٌ على الإيمان، وينبغي أن يقدَّم عليه الحياء أيضًا، إلا أنه لما عُدّت توابعُ الإيمان مع الإيمان، جُعِلَ شعبةً منه في الحديث، وكالجزء في التعبير فقط، ولعل الأمرَ كما قلنا، والله تعالى أعلم. وعلى هذا فالأحوال عند السلف تكون ثلاثة: الإسلام الخالص، والكفرُ الخالص، والثالث: ما يشتمل على صفات الإيمان والكفر، فإن الإيمانَ عندهم مُحركب، فيمكن أن يوجدَ في المؤمن خصائلُ الكفر، وفي الكافر خصائلُ الإسلام، ولا يمكن هذا على طورِنا، فإن الإيمان عندنا بسيط، فينحصر الأمرُ في الحالين فقط. فريق في الجنة وفريق في السعير.
4 - باب المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه
والجملةُ تشتملُ على تعريف الطرفين، وهو مفيدٌ للقصر، وهو من الطرفين عندي. أي قد يكون لقصر المسندَ إليه على المسنَد، وقد يكون بالعكس، وقد تصلح جملة لكل منهما، لكن لا على سبيل الاجتماع، كما اختاره الزمخشري في «الفائق». وما قاله التَّفْتَازاني رحمه الله تعالى: إن القصرَ من طرفٍ فقط، والمبتدأ هو المقصور، فهو غَلَطٌ عندي. ثم إن هذا الحكم قد أخذته الشريعة من الاشتقاق، فالمسلم مَنْ سَلِم الناس من إيذائه، وذلك لأنه وُجِد فيه مأخذ الاشتقاق، وأما من آذى الناسَ ولم يَسْلَم منه الناس، فلم يوجد فيه مأخذُ اشتقاقِ الإسلام، فكأنه ليس بمسلم، وهذا على نحو ما تقول: إن العَالَم من اتصف بالعلم. والضارب من اتصف بالضربِ. فكذلك المسلم من اتصف بوصف السلامة. وعلم منه أن الإسلام كما هو معاملة مع الله سبحانه، كذلك معاملة مع الناس أيضًا.
واعلم أن الإسلام حقيقتُهُ ما يعبر عنه، بأن نقول: اطمئنَ أنت مني وأنا مُطمئنٌ منك، لأنه كان من عاداتهم قبلَ الإسلام: سفكُ الدماء، وهَتْكَ الأعراض، ونهبُ الأموال، فلما نزلت الشريعةُ أرادات أن تُعينَ لفظًا بأزاء ذلك المفهوم، ليدل (¬1) عند أول قرع السَّمْع على الأمن، وهو لفظُ الإسلام، ليصيرَ الناسُ في الأمن بعد الخوف، والاطمئنان بعد الفزع.
10 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
¬__________
(¬1) قال علي القاري، رحمه الله تعالى في الجنائز: إن إحدى فوائد السلام أن يسمع المسلم المسلم عليه ابتداء لفظ السلام، ليحصل الأمن من قبل قلبه ... إلخ.
الصفحة 153
544