كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)

لما كان في كفرهم موضعُ رَيبٍ لمن له أدنى علم، فإنها من الضروريات وإنكارُها كفرٌ لا محالة، وإنما زعموا أن الزكاةَ جبايةُ مالٍ، كما يجبي السلطان من الرعايا جبايات من جهات، فكانت إلى النبي صلى الله عليه وسلّم في عهده، وإذا وَلَّيْنا نحن ولاةً منا فقد سقطت، وبقيت كسائر الجبايات على رأى الوالى.
ومنصبُ الخلفاء عندي فوق الاجتهاد، وتحت التشريع، من حيث أن صاحب الشريعة أمرنا باقتدائهم مطلقًا. ومن هذا الباب زيادة عثمان رضي الله تعالى عنه في الأذان، وجمعُ عمرَ رضي الله تعالى عنه الناس في التراويح خَلْفَ إمام واحد، فلا يرجع اختلافهم إلى مسائل الأصول. فلا يقال: إن الاختلافَ في الشيخين كان في حكم تعارضُ العموم والخصوص كما قرروا، ولعل الأمر يحوم حول ما قررنا، فافهم واستقم.
(إلا بحق الإسلام) كالقصاص وزنًا، المحصن، والارتداد.

18 - باب مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)} [الزخرف: 72]. وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 92، 93] عَنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَقَالَ {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)} [الصافات: 61].
26 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ «الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ». قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ «حَجٌّ مَبْرُورٌ». طرفه 1519 - تحفة 13101
وبعدُ الشيخ قطب الدين في بيان الغرض حيث قال: إن المصنف رحمه الله تعالى انتقل إلى الرد على المرجئة القائلين بأنه القول بلا إله إلا الله فقط، فقال ردًا عليهم: إنه عملٌ وليس بقول فقط. وعندي قد فرغ عنه المصنف رحمه الله تعالى من قبل، وإنما يريد الآن النصَّ على أن الإيمانَ عملُ القلب كما كان نصَّ أولًا على أن المعرفة فعل القلب (¬1) والعملُ لا يكون إلا
¬__________
(¬1) قلت: وحينئذٍ لا يرد ما أورد عليه الشيخ في "العمدة" بقوله: وههنا مناقشة أخرى: وهي أن إطلاق العمل على الإيمان صحيح من حيث، إن الإيمان هو عمل القلب، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون العملُ من نفس الإيمان، وقصد البخاري من هذا الباب وغيره إثباتَه أن العملَ من أداء الإيمان، لعل الصحيح من أجزاء الإيمان، ردًا على من يقول: إن العملَ لا دخلَ له في ماهية الإيمان، فحينئذٍ لا يتم مقصودَه على ما لا يخفي، وإن كان مرادُه جواز إطلاق العمل على الإيمان، فهذا لا نزاع فيه لأحد، لأن الإيمان عملُ القلب وهو التصديق. انتهى. "قلت": وذلك لأنك قد علمت أن البخاري رحمه الله لم يردْ بهذه الترجمة إلّا التنبيهَ على كونه عملًا دون الرد على المرجئة، وأما قوله: فهذا مما لا نزل فيه. "قلت": وأي حاجة أن نجعلَ ترجمتَه ناظرةٌ إلى المنازعين، لم لا يجوزُ أن تكونَ بيانًا للمسألة في نفسها وهو أهم؟ لا سيما إذا كان التصديق عَلَمًا عند طائفة من أصحاب المعقول.

الصفحة 183