كتاب فيض الباري على صحيح البخاري (اسم الجزء: 1)
كافرٌ قطعًا، لأنه ليس عنده سوى اسم الإسلام شيءٌ، وهو الذي أراده البخاري، والثاني: من أسلمَ وكان عنده أن قبولَ الأديان من الجائزات، فلم يختره لكونهِ حقًا في نفسه، بل كاختيار أحد الجائزات، فهذا حَسَنٌ، وهذا أيضًا حسن، فهذا النوعُ أيضًا كافر، وهذا أيضًا يمكن أن يدرجَ في مراده. والثالث: من أسلم كَرْها، ثم رضي به، كأنه عند الخوف من القتل، يَبْعثُ نفسَه أن ترى الإسلامَ حقًا وتعتقده عن صميم قلب، فهذا مؤمنٌ إجماعًا. ومن نسب إلى المصنف عدمُ الاعتبار بإسلامه، نظرًا إلى ألفاظ هذه الترجمة فقد بَعُدَ بعدًا بعيدًا.
27 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا». فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِى مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِى فَقُلْتُ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا». ثُمَّ غَلَبَنِى مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِى وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ «يَا سَعْدُ، إِنِّى لأُعْطِى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِى النَّارِ». وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ عَنِ الزُّهْرِىِّ. طرفه 1478 - تحفة 3891 - 14/ 1
27 - (مالَكَ عَنْ فلان) قال الحافظ واسمه جُعَيل، وهو صحابي جليل القدر وله منقبة عظيمة. عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لأبي ذر: «كيف ترى جُعَيلًا» قلت: كشكله من الناس - يعني المهاجرين - قال: «فكيف ترى فلانًا؟» قال: قلت: سيد من سادات الناس، قال: «فجعيل خير من ملاء الأرض من فلان». فهذه من منزلة جعيل المذكور.
(أرى) واتفق أئمة اللغة على أنه معروفًا بمعنى اليقين، ومجهولًا بمعنى الشك، ولعل الأول مأخوذٌ من الرؤية والثاني من الرأي كما صرح به الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى في باب الصيام، وههنا مجهولًا أولى؛ لأن الحكمَ بمحضر النبي جزمًا إساءةٌ للأدب، وقال قائل: بل الأول متعين للقَسَم، فإنه قال: فوالله إني لأراه مؤمنًا، والقسَمُ لا يناسبه الشك. قلت: ويلزمه أن لا يجوز قولهم: والله لأظنه كذا، وهو باطلٌ قطعًا.
(أو) وقَرَأه الشيخ العيني رحمه الله تعالى بهمزة الاستفهام، وواو العطف (أو) يعني أتقول كذا وهو مسلمٌ، وقيل: بل هو حرف عطف بسكون الواو (أو) والفرقُ بينهما أنه على الأول يكون الحكمُ بإسلامِهِ، بتًا من جهة صاحب الشريعة، بخلاف الثاني، فليس فيه بتٌ وحكمٌ قطعيٌ على إسلامه، ومعناه: مهلًا ما تقول، لعله يكون مسلمًا، ولا يكون مؤمنًا. وقال بعضهم: إنها بمعنى الإضراب. أقول: وإنما يفهم منها الإضراب للمقابلة، لا أنه أصل المعنى. ثم إنه طال نزاعهم في قوله تعالى: {أَوْ يَزِيدُونَ} (الصافات: 147) وسنعود إليه إن شاء الله تعالى في موضع آخر.
فإن قلت: إذا كان أمر جُعيل ما قد وُصِفَ في الحديث، فلا معنى للشك في إسلامه
الصفحة 186
544