كتاب وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (اسم الجزء: 1)

إلى آخره» فهذه الأسطوانة المشار إليها- أعني التي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي إليها- هي التي عن يمين الواقف في المصلى الشريف من جهة القبلة، وعلم أن وضع الصندوق هناك كان من الزمن القديم، لكنه كان صندوق مصحف كما سيأتي، ووصفها بالمخلقة لا يشكل عليك بما اشتهر من وصف أسطوانة المهاجرين- وهي أسطوانة عائشة- بالمخلقة، فالوصف بالمخلقة يطلق على أساطين متعددة كما سنوضحه، ولهذا اشتمل هذا الكلام على وصف كل من هاتين الأسطوانتين بهذا الوصف.
ونقل المرجاني أن في العتبية ما لفظه: أحب مواضع التنفل في مسجد رسول الله مصلاه حيث العمود المخلق، انتهى.
وقال ابن القاسم: أحب مواضع الصلاة في مسجده صلّى الله عليه وسلّم في النفل العمود المخلق، وفي الفرض في الصف الأول، قال ابن رشد: في كون العمود المخلق كان قبلة النبي صلّى الله عليه وسلّم أو أقرب إلى قبلته صلّى الله عليه وسلّم قول ابن القاسم وسماعه.
قلت: وهو دال على أن العمود المخلق هو الذي عند المصلى الشريف، ولهذا روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقيل له: أي المواضع أحب إليك الصلاة فيه؟ قال: أما النافلة فموضع مصلاه، وأما المكتوبة فأول الصفوف، انتهى. فعبر هنا عن العمود المخلق بمصلاه. ورأيت في جامع العتبية من البيان لابن رشد ما لفظه:
قال مالك: ليس العمود المخلق قبلة النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبلة النبي صلّى الله عليه وسلّم هو حذو قبلة الإمام، وإنما قدمت القبلة حذو قبلة النبي صلّى الله عليه وسلّم سواء.
قال ابن رشد عقبه: وقد مر في كتاب الصلاة عن ابن القاسم أن مصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم هو العمود المخلق، خلاف قول مالك هنا، انتهى. وقول مالك: «وإنما قدمت القبلة» يشير به إلى المحراب الذي في جدار القبلة بزيادة عثمان رضي الله عنه، وهذا الذي ذكره يكاد أن يكون قطعيا، وليس مراد ابن القاسم إلا أن العمود المخلق أقرب شيء إلى قبلة النبي صلّى الله عليه وسلّم فيعرف به، ولهذا نقل ابن النجار عن مالك ما يقتضى أن الأسطوانة المذكورة علم لمصلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنه قال: قال مالك بن أنس: أرسل الحجاج بن يوسف إلى أمهات القرى بمصاحف، فأرسل إلى المدينة بمصحف منها كبير، وكان في صندوق عن يمين الأسطوانة التي عملت علما لمقام النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وقال ابن زبالة فيما سيأتي عنه: إن الخيزران لما أمرت بأن تخلق المسجد أشار عليهم إبراهيم بن الفضل فزادوا في خلوق أسطوانة التوبة والأسطوان التي هي علم عند مصلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فخلقوهما حتى بلغوا بهما أسفلهما، وزادوا في الخلوق في أعلاهما، انتهى. وقد توهم جماعة أن المراد من كلام ابن القاسم، وما نقل عن مالك، الأسطوانة

الصفحة 281