كتاب وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (اسم الجزء: 1)

السجود في أقل من ثلاثة أذرع، ولهذا كان حريم المصلّي الذي يكون بينه وبين سترته ثلاثة أذرع عندنا.
وقال ابن الصلاح: قدروا ممر الشاة بثلاث أذرع.
قال الحافظ ابن حجر: ولا يخفى ما فيه.
قلت: الظاهر أن البخاري إنما أورد حديث سلمة المشتمل على بيان ما بين المنبر والجدار ليستدل به على مقدار ممر الشاة، فإن ما بينهما كان معلوما عندهم، وقد تقدم عن العتبية أنه كان بينهما قدر ما يمر الرجل منحرفا، والذي اقتضى حمل ابن الصلاح ممر الشاة على ما ذكره أن ذلك هو القدر الذي يتأتى فيه السجود مع الاستمرار في الموقف.
وقد قال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود، وكذلك بين الصفوف، وقد ورد الأمر بالدنو من السترة مع بيان حكمة ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره مرفوعا: «إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته» ، قال الحافظ ابن حجر: وهو حديث حسن، والله أعلم.
التنبيه الثاني: في العود الذي كان في المصلى الشريف.
روينا في كتاب يحيى عن مصعب بن ثابت قال: طلبنا علم العود الذي كان في مقام النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم نقدر على أحد يذكر لنا فيه شيئا، قال مصعب: حتى أخبرني محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال: جلس إلى أنس بن مالك، فقال: تدري لم صنع هذا العود؟ وما أسأله عنه، فقلت: لا والله ما أدري لم صنع، فقال أنس: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضع عليه يمينه ثم يلتفت إلينا فيقول: استووا، واعدلوا صفوفكم.
وعن أنس بن مالك قال: لما سرق العود الذي كان في المحراب فلم يجده أبو بكر حتى وجده عمر رضي الله عنهما عند رجل من الأنصار بقباء قد دفن في الأرض أكلته الأرضة، فأخذ له عودا، فشقه فأدخله فيه، ثم شعبه «1» ، فرده في الجدار، وهو العود الذي وضعه عمر بن عبد العزيز رحمه الله في القبلة، وهو الذي في المحراب اليوم باق فيه.
وعند أبي داود عن محمد بن أسلم صاحب المقصورة قال: صلّيت إلى جنب أنس بن مالك يوما فقال: هل تدري لم صنع هذا العود؟ فقلت: لا والله، قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضع يده عليه فيقول: «استووا واعدلوا صفوفكم» .
قلت: سيأتي في الكلام على الجذع أن الأسطوانة المتقدم ذكرها التي هي علم
__________
(1) شعبه: أصلح صدعه.

الصفحة 289