كتاب قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر (اسم الجزء: 1)

المجلّد الأوّل

[مقدمات]
بين يدي الكتاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فيقول العلامة ابن خلدون: (اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم؛ حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا) (1).
بين يديك أخي القارئ هذا الكتاب التاريخي، وهو من الذخائر اليمنية، والنفائس الحضرمية، يعرض لأخبار الأدباء والشعراء، والأطباء والزهاد وغيرهم، وكانت نظرة المصنف شاملة؛ فلم يقتصر على تاريخ رجال اليمن وحوادثه، وأئمته وأعلامه، بل عمت تراجم رجاله رقعة العالم الإسلامي الجغرافية من أقصى بلاد ما وراء النهر شرقا إلى المغرب وأقصى بلاد الأندلس غربا.
وتزداد أهمية هذا السفر: أنه سجل قلمه أخبارا عن حضرموت وما والاها إلى تعز المحروسة، وأماطت ريشة الإمام بامخرمة عن أعلام في هذا الجزء الكبير من اليمن العزيز، وتحدث عنهم بطريقة العلماء الأماجد، فأبان عن شخصياتهم ومذاهبهم وأحوالهم دون تحيز أو ملق أو نزق، وهذه هي طريقة الأئمة المخلصين، كما أن مصادره التي اعتمد عليها وفيرة، ومنها ما لم تمتد إليه يد الباحثين؛ لندرته أو فنائه؛ بحيث صار في حكم المعدوم، فليس لنا طريق توصل إلى معلومات في تلك الموضوعات إلا كتابه هذا.
ومما زاد الكتاب أهمية: ما تميز به من منهج علمي وحياد إزاء الفرق والمذاهب المتعددة الذين عرض مناهجهم في «قلادته»، فجمال الدين من الأعلام المتمكنين، والعلماء البارزين، وهو من أسرة عريقة في العلم والشرف، وقد تقلد القضاء بعد طول تمنع، فكان يقال له: قاضي الدولة الطاهرية-كوالده-وكان مفتيها بعدن.
_________
(1) تاريخ ابن خلدون (1/ 13).

الصفحة 7