كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَكُلُّ مَا جَاءَ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ.
وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ عَلَى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي مَبْحَثِ وُجُوبِ رَدِّ الْقَاضِي الْهَدِيَّةَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا» وَاسْتَعْمَلَ عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَقَدِمَ بِمَالٍ فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا؟ قَالَ تَلَاحَقَتْ الْهَدَايَا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ هَلَّا قَعَدَتْ فِي بَيْتِك فَتَنْظُرَ أَيُهْدَى لَك فَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَعْلِيلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْهَدِيَّةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْوِلَايَةُ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ مُطَابِقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَمَلُّكَهُ مَا أَهْدَى لَهُ بِهِ إنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ عَامِلًا فَاعْتَقَدَ أَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِهِ دُونَ أَصْحَابِ الْحُقُوقِ الَّتِي عَمِلَ فِيهَا فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْحُقُوقَ الَّتِي عَمِلَ لِأَجْلِهَا هِيَ السَّبَبُ فِي الْإِهْدَاءِ لَهُ وَأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بِمَنْزِلِهِ لَمْ يُهْدَ لَهُ شَيْءٌ فَلَا يَسْتَحِلُّهَا بِمُجَرَّدِ وُصُولِهَا إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْهَدِيَّةِ اهـ وَتَبِعَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ.
وَفِي عُمْدَةِ الْقَارِيّ عَلَى صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ يَجِبُ جَعْلُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ اهـ وَتَبِعَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَفِي حَاشِيَةِ السِّنْدِيِّ عَلَى صَحِيحِ أَبِي دَاوُد «مَا جَاءَ لِلْعَامِلِ مِنْ جِهَةِ عَمَلِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَإِنْ سَمَّاهُ مُعْطِيهِ هَدِيَّةً» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي صَحِيحِ أَبِي دَاوُد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَمَا أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» . عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ.
لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ قَبُولُ هَدِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِتَرْكِ بَعْضِ الزَّكَاةِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَرَضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ، وَلَهُ أُجْرَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ جِهَتَيْنِ وَمَا أُعْطِيَ لَهُ يَكُونُ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ الْمَالِ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ عِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى يَطُولُ نَقْلُهَا وَفِيمَا ذَكَرْته كِفَايَةٌ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَدِيَّةَ الْعَامِلِ إنْ كَانَتْ لِإِسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِغَرَضٍ آخَرَ جَازَ لَهُ قَبُولُهَا وَدَخَلَتْ فِي الْمَالِ الَّذِي عَمِلَ لَهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا، وَأَنَّ هَدِيَّةَ عَامِلِ الزَّكَاةِ مَحَلُّهَا بَيْتُ الْمَالِ فَتَحَصَّلَ أَنَّ مَا يَصِلُ لِصَاحِبِ الْمِفْتَاحِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ وَلَوْ قَالَ لَهُ مُعْطِيهِ هَذَا لَك خَاصَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَذَا مُلَخَّصُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ زَيْنِيٍّ

الصفحة 216