كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ كَتَبْت عَنْ بَعْضِ شُيُوخِي أَنَّهُ يَقُومُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ فُلَانٍ هَذِهِ السَّنَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَمْرَضْ أَوْ يُفْلِسْ اهـ.
وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْفُرُوعُ الْآتِيَةُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْقَضَاءِ بِذَلِكَ.

(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ هَلْ تَدْخُلُ الْكِسْوَةُ فِي النَّفَقَةِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ ابْنُ زَرِبٍ فِي مَسَائِلِهِ فِيمَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ وَأَبِي أَنْ يَكْسُوَهُ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الْإِنْفَاقَ لَا الْكِسْوَةَ وَطَلَبَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ الْكِسْوَةَ مَعَ النَّفَقَةِ فَشَغَلَتْ بَالِي مُدَّةً ثُمَّ ظَهَرَتْ لِي فَأَلْزَمَتْهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَيَكْسُوَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيَكْسُوهَا فَالْكِسْوَةُ دَاخِلَةٌ فِي النَّفَقَةِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي قَوْلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ نَفَقَةٍ يُحْكَمُ بِهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَالْآبَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْعَبِيدِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ إذَا كَثُرَ الْمَالُ وَالسَّفَرُ بَعِيدٌ، وَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى أَحَدٍ إحْسَانًا إلَيْهِ وَقَالَ إنَّمَا أَرَدْت الِاطِّعَامَ لَا الْكِسْوَةَ وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ الْتَزَمْت لِي إنْفَاقًا مُجْمَلًا فَاكْسُنِي كَمَا تُطْعِمُنِي فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ عِنْدِي بِدَلِيلِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الرَّوَاحِلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الْعَبْدُ السَّنَةَ عَلَى أَنَّ عَلَى الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ نَفَقَتَهُ، وَكَذَلِكَ الْحُرُّ، فَقُلْنَا لِمَالِكٍ فَلَوْ شَرَطَ الْكِسْوَةَ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، فَقَوْلُهُ فَلَوْ شَرَطَ الْكِسْوَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَقْتَضِي الْكِسْوَةَ وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ مُقْتَضِيَةً لَهَا لَقَالَ لَهُ إذَا سَأَلَهُ عَنْهَا لَفْظُ النَّفَقَةِ يَقْتَضِيهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى إنْسَانٍ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَقَالَ هَذَا الَّذِي أَرَدْت، وَلَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَطَلَبَ الْآخَرُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ لَصَدَقَ الْمُلْتَزِمُ وَمَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا.
وَفِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِحَائِطِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ مَأْبُورَةٌ أَوْ طَيِّبَةٌ وَقَالَ إنَّمَا تَصَدَّقْتُ بِالْأَصْلِ لَا الثَّمَرَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ بِلَا يَمِينٍ، وَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَقَدْ يَتَخَرَّجُ مِنْ بَعْضِ مَسَائِلِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْلِفُ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مَنْ اسْتَرْعَى أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ عَبْدُهُ أَوْ مَتَى حَبَسَ دَارِهِ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا ثُمَّ أَعْتَقَ أَوْ حَبَسَ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ الْبَيِّنَةُ ذَلِكَ وَصَدَقَ فِيمَا يَدَّعِيه وَيَذْكُرُهُ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ كَلَامِ ابْنِ زَرِبٍ أَنَّ كُلَّ مُتَطَوِّعٍ مُصَدَّقٌ وَأَمَّا إنْ قَالَ مُلْتَزِمُ الْإِنْفَاقِ لَمْ تَكُنْ لِي نِيَّةٌ فِي مَطْعَمٍ، وَلَا مَلْبَسٍ إنَّهُ يُقَالُ لَهُ قُمْ بِهِمَا جَمِيعًا اهـ.
مُخْتَصَرًا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِاخْتِصَارٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: هَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِدُخُولِ الْكِسْوَةِ فِي مُسَمَّى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ مُسَمَّاهَا لَزِمَ، وَلَا يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ إنَّمَا أَرَدْت الْإِطْعَامَ كَمَا لَوْ قَالَ مَا أَرَدْت إلَّا الْكِسْوَةَ لَمْ يُقْبَلْ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ثُمَّ رَأَيْت لِلْمُتَيْطِيِّ إثْرَ قَوْلِهِ قُمْ بِهِمَا: لَعَلَّ جَوَابَ ابْنِ زَرِبٍ فِي هَذَا وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظُ النَّفَقَةِ

الصفحة 220