كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

وَمُؤْنَتَهُ إلَى فِطَامِهِ جَازَ وَلَزِمَهَا فَإِنْ مَاتَتْ أُخِذَ مِنْ تَرِكَتِهَا، قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ يُرِيدُ يُوقَفُ مِنْهَا قَدْرُ مُؤْنَةِ الِابْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُمَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فِي خِلَالِ الْعَامَيْنِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَبِ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا طَلَبَ ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْتِزَامِهَا بَرَاءَةُ الْأَبِ مِنْ مُؤْنَةِ ابْنِهِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَوْتِ الْوَلَدِ، وَمِثْلُهُ حَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) فَإِنْ اشْتَرَطَ فِي الْخُلْعِ نَفَقَةً تَزِيدُ عَلَى الْحَوْلَيْنِ أَوْ اشْتَرَطَ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ ثُبُوتِ النَّفَقَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ كَثُبُوتِهَا قَبْلَهَا قَالَهُ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَعِبَارَةُ مُخْتَصَرِهَا إذَا اشْتَرَطَ نَفَقَةَ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ أَعْوَامًا مَعْلُومَةً عَاشَ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ جَازَ لِانْتِفَاءِ الْغَرَرِ كَمَا لَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا جَازَ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ فِي الْخُلْعِ أَوْلَى.
(تَنْبِيهٌ ثَانٍ) قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَمِمَّا يُجْمَعُ بِهِ أَيْضًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ حَكَى فِي كِتَابِهِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ بَارَأَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ سَلَّمَتْ وَلَدَهَا مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنْ أَرَادَتْ أَخْذَهُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهَا إلَّا بِأَنْ تَلْتَزِمَ نَفَقَتَهُ وَتُسْقِطَ عَنْ الْأَبِ مُؤْنَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ خُلْعٌ تَامٌّ لَازِمٌ وَحَكَى مِثْلَهُ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ فَضْلِ بْنِ سَلَمَةَ اهـ.
فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا رَاجَعَ زَوْجَتَهُ تَسْقُطُ عَنْهَا النَّفَقَةُ يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ وَسَحْنُونٍ وَمَنْ مَعَهُمْ الْمُتَقَدِّمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى أَعْنِي إذَا شَرَطَ ثُبُوتَ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ كَثُبُوتِهَا قَبْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ عَنْهَا بِالْمُرَاجَعَةِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِي وَجْهِ سُقُوطِ النَّفَقَةِ عَنْهَا بِمُرَاجَعَتِهِ إيَّاهَا فِيمَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ تَحَمَّلَتْ بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ إلَى الْحُلُمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فُهِمَ عَنْهَا أَنَّهَا إنَّمَا الْتَزَمَتْ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عِصْمَةِ الزَّوْجِ، قُلْت وَفُهِمَ مِمَّا ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا الْتَزَمَتْ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا عَلَى أَنْ يَكُونُوا عِنْدَهَا وَلَوْ تَزَوَّجَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَمَنْ تَبِعَهُ قَالَ ابْنُ سَلَّمُونِ إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ وُقِفَ مِنْ مَالِهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ وَأُجْرِيَ فِي نَفَقَةِ الِابْنِ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ وَلِلزَّوْجِ مُحَاصَّةُ غُرَمَاءِ الْمَرْأَةِ بِنَفَقَةِ ابْنِهِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْخُلْعِ، فَإِنْ أَعْدَمَتْ الْأُمُّ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ تَعُودُ عَلَى الْأَبِ ثُمَّ إنْ أَيْسَرَتْ رَجَعَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا، وَهَلْ يَتْبَعُهَا الْوَالِدُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ مُدَّةَ عَدَمِهَا أَمْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتْبَعُهَا بِذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْقَضَاءُ وَحَكَى أَصْبَغُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهَا بِشَيْءٍ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ فَلَا شَيْءَ

الصفحة 228