كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ شَرَطَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَضْمُونَةً إلَى حَدِّ الْإِثْغَارِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ ذَلِكَ لَجَازَ الْبَيْعُ بِاتِّفَاقٍ مَا نَصَّهُ. قُلْت هُوَ مَعْنَى نَقْلِ الصَّقَلِّيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ شَرْطَ بَيْعِهِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِثْغَارِ أَتَى بِمِثْلِهِ وَلَيْسَ لِلْأُمِّ تَرْكُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ جَدَّةٌ قُلْت؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فَقَبِلَ تَفْسِيرَ ابْنِ يُونُسَ الْمُدَوَّنَةَ بِكَلَامِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِأَنَّهُ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبُ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ فِي جَامِعِ الْبُيُوعِ مَعَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ أَيْضًا قَبْلَ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعٍ وَشَرْطٍ.
الثَّانِي قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَى الْبَائِعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الرَّضَاعَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ، وَإِنْ مَاتَتْ أَتَى الْمُشْتَرِي بِخِلَافِهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَمَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لِذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ وَأَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ رَدًّا لَهُ: إنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّضَاعَ أَيْضًا اهـ.
قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَوْ شُرِطَ الرَّضَاعُ مَضْمُونًا جَازَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ الْأُمَّ وَيَأْتِيَ بِمُرْضِعَةٍ لِلصَّبِيِّ خِلَافَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْخَاتِمَةِ الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ رَضَاعِ الصَّبِيِّ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ سَافَرَ الْمُشْتَرِي بِالْأُمِّ سَافَرَ بِالْوَلَدِ مَعَهَا، وَالْكِرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ، وَقَالَ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُؤْنَتَهُ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ.

[أَعْتَقَ الْأُمَّ وَأَرَادَ بَيْعَ الْوَلَدَ]
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْوَلَدَ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَنَفَقَةُ الْأُمِّ عَلَى نَفْسِهَا وَقَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ وَأَخْرَجَهَا مِنْ حَوْزِهِ تَرَكَ الْوَلَدَ فِي حَضَانَتِهَا إنْ كَانَ لَا خِدْمَةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ خِدْمَةٌ كَانَ مَبِيتُهُ عِنْدَهَا وَيَأْوِي إلَيْهَا فِي نَهَارِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُهُ السَّيِّدُ لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ بَاعَهُ شَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَوْنَهُ عِنْدَهَا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَافِرَ بِهِ وَتَتْبَعَهُ الْأُمُّ حَيْثُ كَانَ اهـ.
قُلْت وَهَذَا إلَى زَمَنِ التَّفْرِقَةِ فَإِذَا انْقَضَى فَلَهُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَانْظُرْ إذَا تَزَوَّجَتْ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهَا وَيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ يُسْقِطُ حَقَّ الْحَاضِنَةِ مِنْ الْحَضَانَةِ.
وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ إشَارَةٌ إلَى نَحْوِ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الصفحة 246