كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

[النَّوْعُ السَّادِسُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُلْتَزَمِ لَهُ]
ُ بِفَتْحِ الزَّايِ كَقَوْلِك لِشَخْصٍ إنْ بَنَيْت بَيْتَك أَوْ إنْ تَزَوَّجَتْ فَلَكَ كَذَا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الِالْتِزَامِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمُلْتَزِمِ وَالْمُلْتَزَمِ لَهُ فَهُوَ لَازِمٌ إذَا وَقَعَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا أَنَّهُمْ لَاحَظُوا فِي هَذَا كَوْنَهُ فِي مَعْنَى الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فَجَعَلُوهُ لَازِمًا لَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ وَكَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الْآنَ.
قَالَ فِي رَسْمِ الْكِرَاءِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الصَّدَقَاتِ وَالْهِبَاتِ وَسَأَلْتُ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِابْنِهِ: أَصْلِحْ نَفْسَك وَتَعَلَّمْ الْقُرْآنَ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ فَيُصْلِحُ نَفْسَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَمُوتُ أَبُوهُ، وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْ الْحَوْزَ وَالْمَنْزِلُ فِي يَدِ أَبِيهِ هَلْ تَرَى الصَّدَقَةَ لَهُ جَائِزَةً؟ قَالَ: لَا إذَا كَانَ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ هَكَذَا إلَّا أَنْ يُعْرَفَ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِإِشْهَادٍ يَشْهَدُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِقَوْمِ: اشْهَدُوا أَنَّهُ إنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَقَدْ وَهَبْته، أَوْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِعَبْدِي، أَوْ قَرْيَتِي فَيَكُونُ ذَلِكَ جَائِزًا لَهُ إذَا كَانَ فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَوْزًا لَهُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيضِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلِابْنِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ قَوِيٍّ مِثْلِ مَا وَصَفْت لَك مِنْ الْإِشْهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَك قَرْيَتِي فُلَانَةُ تَمْلِيكُهُ إيَّاهَا بِإِصْلَاحِهِ لِنَفْسِهِ وَتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ وَلَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ هَلْ يَمْلِكُ، أَوْ لَا يَمْلِكُ مَعَ إضَافَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَالَ لَهُ بِهَذِهِ اللَّامِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا لَامَ الْمِلْكِ فَقَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَقَالَ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَلَمْ يَكُنْ هُوَ وَمَالُهُ مِلْكًا لِأَبِيهِ فَلَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ قَرْيَتِي فُلَانَةُ تَسْكُنُهَا أَوْ تَرْتَفِقُ بِمَرَافِقِهَا، أَوْ تُنْفِذُ أَمْرَك فِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ يَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنْ يَنْقُلُ مِلْكَهُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِ بِهَا، أَوْ وَهَبْتهَا لَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَتَجُوزُ لَهُ الْهِبَةُ وَتَصْلُحُ لَهُ حِيَازَةٌ إذَا كَانَ صَغِيرًا فِي وِلَايَةِ أَبِيهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ مَا أَوْجَبَ لَهُ الْقَرْيَةَ مِنْ إصْلَاحِهِ نَفْسَهُ وَتَعَلُّمِهِ الْقُرْآنَ عِوَضًا لَهَا فَمَضَى لَهُ دُونَ حِيَازَةٍ وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ. ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ مَنْ أَعْطَى زَوْجَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ دَارِهِ عَلَى أَنْ تُسْلِمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِيهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لِابْنِهِ إنْ تَزَوَّجْتَ فَلَكَ جَارِيَتِي فُلَانَةُ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ إذَا تَزَوَّجَ فَهِيَ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَالَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ: وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبِ دَيْنٌ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِذَلِكَ قَالَ عِيسَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هِيَ لَهُ دُونَ الْغُرَمَاءِ إنْ فَلَّسَ، وَإِنْ مَاتَ أَخَذَهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الدَّيْنِ فِيهَا شَيْءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ قَالَ لَك مِائَةُ دِينَارٍ إنْ تَزَوَّجْتَ كَانَ هُوَ وَالْغُرَمَاءُ سَوَاءً فِي الْفَلَسِ وَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ مِنْ

الصفحة 297